َى عَدَمِ صِدْقِكَ فِى عُبُودِيَّتِكَ .
164) غَيِّبْ نَظَرَ الْخَلْقِ إِلَيْكَ بِنَظَرِ اللهِ إِلَيْكَ ، وَغِبْ عَنْ إِقْبَالِهِمْ عَلَيْكَ بِشُهُودِ إِقْبَالِهِ عَلَيْكَ .
165) مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ شَهِدَهُ فِى كُلِّ شَىْءٍ ، وَمَنْ فَنِىَ بِهِ غَابَ عَنْ كُلِّ شَىْءٍ ، وَمَنْ أَحَبَّهُ لَمْ يُؤْثِرْ عَلَيْهِ شَيْئًا.
166) إِنَّمَا حَجَبَ الْحَقَّ عَنْكَ شِدَّةُ قُرْبِهِ مِنْكَ .
167) إِنَّمَا احْتَجَبَ لِشِدَّةِ ظُهُورِهِ ، وَخَفِىَ عَنِ الأَبْصَارِ لِعِظَمِ نُورِهِ .
168) لاَ يَكُنْ طَلَبُكَ تَسَبُّبًا إِلَى الْعَطَاءِ مِنْهُ فَيَقِلَّ فَهْمُكَ عَنْهُ ، وَلْيَكُنْ طَلَبُكَ لإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ وَقِيَامًا بِحُقُوقِ الرُّبُوبِيَّةِ .
169) كَيْفَ يَكُونُ طَلَبُكَ اللاَّحِقُ سَبَبًا فِى عَطَائِهِ السَّابِقِ ؟
170) جَلَّ حُكْمُ الأَزَلِ أَنْ يَنْضَافَ إِلَى الْعِلَلِ .
171) عِنَايَتُهُ فِيكَ لاَ لِشَىْءٍ مِنْكَ وَأَيْنَ كُنْتَ حِينَ وَاجَهَتْكَ عِنَايَتُهُ وَقَابَلَتْكَ رِعَايَتُهُ ؛ لَمْ يَكُنْ فِى أَزَلِهِ إِخْلاَصُ أَعْمَالٍ وَلاَ وُجُودُ أَحْوَالٍ ، بَلْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِلاَّ مَحْضَ الإِفْضَالِ وَعَظِيمَ النَّوالِ .
172) عَلِمَ أَنَّ الْعِبَادَ يَتَشَوَّفُونَ إِلَى ظُهُورِ سِرِّ الْعِنَايَةِ فَقَالَ {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ خَلاَّهُمْ وَذَلِكَ لَتَرَكُوا الْعَمَلَ اعْتِمَادًا عَلَى الأَزَلِ فَقَالَ {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} .
173) إِلَى الْمَشِيئَةِ يَسْتَنِدُ كُلُّ شَىْءٍ وَلاَ تَسْتَنِدُ هِىَ إِلَى شَىْءٍ .
174) رُبَّمَا دَلَّهُمُ الأَدَبُ عَلَى تَرْكِ الطَّلَبِ اعْتِمَادًا عَلَى قِسْمَتِهِ وَاشْتِغَالاً بِذِكْرِهِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ .
175) إِنَّمَا يُذَكَّرُ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الإِغْفَالُ ، وَإِنَّمَا يُنَبَّهُ مَنْ يُمْكِنُ مِنْهُ الإِهْمَالُ .
176) وُرُودُ الْفَاقَاتِ أَعْيَادُ الْمُرِيدِينَ .
177) رُبَّمَا وَجَدْتَ مِنَ الْمَزِيدِ فِى الْفَاقَاتِ مَا لاَ تَجِدُهُ فِى الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ .
178) الْفَاقَاتُ بُسُطُ الْمَوَاهِبِ .
179) إِنْ أَرَدْتَ وُرُودَ الْمَوَاهِبِ عَلَيْكَ صَحِّحِ الْفَقْرَ وَالْفَاقَةَ لَدَيْكَ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} .
180) تَحَقَّقْ بِأَوْصَافِكَ يَمُدُّكَ بِأَوْصَافِهِ. تَحَقَّقْ بِذُلِّكَ يَمُدُّكَ بِعِزِّهِ . تَحَقَّقْ بِعَجْزِكَ يَمُدُّكَ بِقُدْرَتِهِ . تَحَقَّقْ بِضَعْفِكَ يَمُدُّكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ .
181) رُبَّمَا رُزِقَ الْكَرَامَةَ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ لَهُ الاسْتِقَامَةُ .
182) مِنْ عَلاَمَاتِ إِقَامَةِ الْحَقِّ لَكَ فِى الشَّىْءِ : إِقَامَتُهُ إِيَّاكَ فِيهِ مَعَ حُصُولِ النَّتَائِجِ .
183) مَنَ عَبَّرَ مِنْ بِسَاطِ إِحْسَانِهِ أَصْمَتَتْهُ الإِسَاءَةُ ، وَمَنْ عَبَّرَ مِنْ بِسَاطِ إِحْسَانِ اللهِ إِلَيْهِ لَمْ يَصْمُتْ إِذَا أَسَاءَ .
184) تَسْبِقُ أَنْوَارُ الْحُكَمَاءِ أَقْوَالَهُمْ ، فَحَيْثُ صَارَ التَّنْوِيرُ وَصَلَ التَّعْبِيرُ .
185) كُلُّ كَلاَمٍ يَبْرُزُ وَعَلَيْهِ كِسْوَةُ الْقَلْبِ الَّذِى مِنْهُ بَرَزَ .
186) مَنْ أَذِنَ لَهُ فِى التَّعْبِيرِ فُهِمَتْ فِى مَسَامِعِ الْخَلْقِ عِبَارَتُهُ ، وَجُلِّيَتْ إِلَيْهِمْ إِشَارَتُهُ .
187) رُبَّمَا بَرَزَتِ الْحَقَائِقُ مَكْسُوفَةَ الأَنْوَارِ إِذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَكَ فِيهَا بِالإِظْهَارِ .
188) عِبَارَاتُهُمْ إِمَّا لِفَيَضَانِ وَجْدٍ ، أَوْ لِقَصْدِ هِدَايَةِ مُرِيدٍ ، فَالأَوَّلُ حَالُ السَّالِكِينَ ، وَالثَّانِى حَالُ أَرْبَابِ الْمُكْنَةِ وَالْمُحَقِّقِينَ .
189) الْعِبَارَاتُ قُوتٌ لِعَائِلَةِ الْمُسْتَمِعِينَ وَلَيْسَ لَكَ إِلاَّ مَا أَنْتَ لَهُ آَكِلٌ .
190) رُبَّمَا عَبَّرَ عَنِ الْمَقَامِ مَنِ اسْتَشْرَفَ عَلَيْهِ ، وَرُبَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ وَذَلِكَ مُلْتَبَِسٌ إِلاَّ عَلَى صَاحِبِ بَصِيرَةٍ .
191) لاَ يَنْبَغِى لِلسَّالِكِ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ وَارِدَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُقِلُّ عَمَلَهَا فِى قَلْبِهِ وَيَمْنَعُهُ وُجُودَ الصِّدْقِ مَعَ رَبِّهِ .
192) لاَ تَمُدَّنَّ يَدَكَ إِلَى الأَخْذِ مِنَ الْخَلاَئِقِ إِلاَّ أَنْ تَرَى أَنَّ الْمُعْطِىَ فِيهِمْ مَوْلاَكَ ، فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَخُذْ مَا وَافَقَكَ الْعِلْمُ .
193) رُبَّمَا اسْتَحْيَا الْعَارِفُ أَنْ يَرْفَعَ حَاجَتَهُ إِلَى مَوْلاَهُ لاكْتِفَائِهِ بِمَشِيئَتِهِ فَكَيْفَ لاَ يَسْتَحْيِى أَنْ يَرْفَعَهَا إِلَى خَلِيقَتِهِ ؟
194) إِذَا الْتَبَسَ عَلَيْكَ أَمْرَانِ فَانْظُرْ أَثْقَلَهُمَا عَلَى النَّفْسِ فَاتَّبِعْهُ ، فَإِنَّهُ لاَ يَثْقُلُ عَلَيْهَا إِلاَّ مَا كَانَ حَقًّا .
195) مِنْ عَلاَمَاتِ اتِّبَاعِ الْهَوَى الْمُسَارَعَةُ إِلَى نَوَافِلِ الْخَيْرَاتِ ، وَالتَّكَاسُلُ عَنِ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ .
196) قَيَّدَ الطَّاعَاتِ بِأَعْيَانِ الأَوْقَاتِ كَىْ لاَ يَمْنَعُكَ عَنْهَا وُجُودُ التَّسْوِيف ِ، وَوَسَّعَ عَلَيْكَ الْوَقْتَ كَىْ تَبْقَى لَكَ حِصَّةُ الاخْتِيَارِ .
197) عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ الْعِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِهِ فَأْوَجَبَ عَلَيْهِمْ وُجُودَ طَاعَتِهِ فَسَاقَهُمْ إِلَيْهِ بِسَلاَسِلِ الإِيجَابِ ، عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلاَسِلِ .
198) أَوْجَبَ عَلَيْكَ وُجُودَ خِدْمَتِهِ ، وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكَ إِلاَّ دُخُولَ جَنَّتِهِ .
199) مَنِ اسْتَغْرَبَ أَنْ يُنْقِذَهُ اللهُ مِنْ شَهْوَتِهِ وَأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ وُجُودِ غَفْلَتِهِ فَقَدِ اسْتَعْجَزَ الْقُدْرَةَ الإِلَهِيَّةَ {وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِرًا}.
200) رُبَّمَا وَرَدَتِ الظُّلَمُ عَلَيْكَ لِيُعَرِّفَكَ قَدْرَ مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْكَ .
201) مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ النِّعَمِ بِوِجْدَانِهَا ، عَرَفَهَا بِوُجُودِ فُقْدَانِهَا .
202) لاَ تُدْهِشْكَ وَارِدَاتُ النِّعَمِ عَنِ الْقِيامِ بِحُقُوقِ شُكْرِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحُطُّ مِنْ وُجُودِ قَدْرِكَ .
203) تَمَكُّنُ حَلاَوَةِ الْهَوَى مِنَ الْقَلْبِ هُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ .
204) لاَ يُخْرِجُ الشَّهْوَةَ مِنَ الْقَلْبِ إَلاَّ خَوْفٌ مُزْعِجٌ ، أَوْ شَوْقٌ مُقْلِقٌ .
205) كَمَا لاَ يُحِبُّ الْعَمَلَ الْمُشْتَرَكَ كَذَلِكَ لاَ يُحِبُّ الْقَلْبَ الْمُشْتَرَكَ ، الْعَمَلُ الْمُشْتَرَكُ لاَ يَقْبَلُهُ ، وَالْقَلْبُ الْمُشْتَرَكُ لاَ يُقْبِلُ عَلَيْهِ .
206) أَنْوَارٌ أَذِنَ لَهَا فِى الْوُصُولِ ، وَأَنْوَارٌ أَذِنَ لَهَا فِى الدُّخُولِ .
207) رُبَّمَا وَرَدَتْ عَلَيْكَ الأَنْوَارُ فَوَجَدَتِ الْقَلْبَ مَحْشُوًّا بِصُوَرِ الآَثَارِ فَارْتَحَلَتْ مِنْ حَيْثُ نَزَلَتْ .
208) فَرِّغْ قَلْبَكَ مِنَ الأَغْيَارِ يَمْلأْهُ بِالْمَعَارِفِ وَالأَسْرَارِ .
209) لاَ تَسْتَبْطِئْ مِنْهُ النَّوَالَ ، وَلَكِنْ اسْتَبْطِئْ مِنْ نَفْسِكَ وُجُودَ الإِقْبَالِ .
210) حُقُوقٌ فِى الأَوْقَاتِ يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا ، وَحُقُوقُ الأَوْقَاتِ لاَ يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا ، إِذْ مَا مِنْ وَقْتٍ يَرِدُ إِلاَّ وَلِلَّهِ عَلَيْكَ فِيهِ حَقٌّ جَدِيدٌ ، وَأَمْرٌ أَكِيدٌ ، فَكَيْفَ تَقْضِى فِيهِ حَقَّ غَيْرِهِ وَأَنْتَ لَمْ تَقْضِ حَقَّ اللهِ فِيهِ ؟
211) مَا فَاتَ مِنْ عُمْرِكَ لاَ عِوَضَ لَهُ ، وَمَا حَصَلَ لَكَ مِنْهُ لاَ قِيمَةَ لَهُ .
212) مَا أَحْبَبْتَ شَيْئًا إِلاَّ كُنْتَ لَهُ عَبْدًا ، وَهُوَ لاَ يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ عَبْدًا .
213) لاَ تَنْفَعُهُ طَاعَتُكَ وَلاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَتُكَ ، وَإِنَّمَا أَمَرَكَ بِهَذِهِ وَنَهَاكَ عَنْ هَذِهِ لِمَا يَعُودُ عَلَيْكَ .
214) لاَ يَزِيدُ فِى عِزِّهِ إِقْبَالُ مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ عِزِّهِ إِدْبَارُ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ .
215) وُصُولُكَ إِلَى اللهِ وُصُولُكَ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ ، وَإِلاَّ فَجَلَّ رَبُّنَا أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ شَىْءٌ ، أَوْ يَتَّصِلَ هُوَ بِشَىْءٍ .
216) قُرْبُكَ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ مُشَاهِدًا لِقُرْبِهِ ، وَإِلاَّ فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ وَوُجُودُ قُرْبِهِ ؟
217) الْحَقَائِقُ تَرِدُ فِى حَالِ التَّجَلِّى مُجْمَلَةً ، وَبَعْدَ الْوَعْىِ يَكُونُ الْبَيَانُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
218) مَتَى وَرَدَتِ الْوَارِدَاتُ الإِلَهِيَّةُ عَلَيْكَ هَدَمَتِ الْعَوَائِدَ عَلَيْكَ {إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} .
219) الْوَارِدُ يَأْتِى مِنْ حَضْرَةِ قَهَّارٍ ؛ لأَجْلِ ذَلِكَ لاَ يُصَادِمُهُ شَىْءٌ إِلاَّ دَمَغَهُ {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} .
220) كَيْفَ يَحْتَجِبُ الْحَقُّ بِشَىْءٍ وَالَّذِى يَحْتَجِبُ بِهِ هُوَ فِيهِ ظَاهِرٌ وَمَوجُودٌ حَاضِرٌ ؟
221) لاَ تَيْأَسْ مِنْ قَبُولِ عَمَلٍ لَمْ تَجِدْ فِيهِ وُجُودَ الْحُضُورِ ، فَرُبَّمَا قَبِلَ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَمْ تُدْرِكْ ثَمَرَتَهُ عَاجِلاً .
222) لاَ تُزَكِّيَنَّ وَارِدًا لاَ تَعْلَمُ ثَمَرَتَهُ ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ السَّحَابَةِ الإِمْطَارَ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهَا وُجُودُ الإِثْمَارِ .
223) لاَ تَطْلُبَنَّ بَقَاءَ الْوَارِدَاتِ بَعْدَ أَنْ بَسَطَتْ أَنْوَارَهَا ، وَأَوْدَعَتْ أَسْرَارَهَا ، فَلَكَ فِى اللهِ غِنًى عَنْ كُلِّ شَىْءٍ ، وَلَيْسَ يُغْنِيكَ عَنْهُ شَىْءٌ .
224) تَطَلُّعُكَ إِلَى بَقَاءِ غَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وِجْدَانِكَ لَهُ ، وَاسْتِيحَاشُكَ لِفُقْدَانِ مَا سِوَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُصْلَتِكَ بِهِ .
225) النَّعِيمُ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ مَظَاهِرُهُ إِنَّمَا هُوَ بِشُهُودِهِ وَاقْتِرَابِهِ ، وَالْعَذَابُ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ مَظَاهِرُهُ إِنَّمَا هُوَ بِوُجُودِ حِجَابِهِ ، فَسَبَبُ الْعَذَابِ وُجُودُ الْحِجَابِ ، وَإِتْمَامُ النَّعِيمِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ .
226) مَا تَجِدُهُ الْقُلُوبُ مِنَ الْهُمُومِ وَالأَحْزَانِ فَلأَجْلِ مَا مُنِعَتْ مِنْ وُجُودِ الْعَيَانِ .
227) مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ أَنْ يَرْزُقَكَ مَا يَكْفِيكَ ، وَيَمْنَعَكَ مَا يُطْغِيكَ .
228) لِيَقِلَّ مَا تَفْرَحُ بِهِ يَقِلَّ مَا تَحْزَنُ عَلَيْهِ .
229) إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لاَ تُعْزَلَ فَلاَ تَتَوَلَّ وِلاَيَةً لاَ تَدُومُ لَكَ .
230) إِنْ رَغَّبَتْكَ الْبِدَايَاتُ زَهَّدَتْكَ النِّهَايَاتُ ، إِنْ دَعَاكَ إِلَيْهَا ظَاهِرٌ نَهَاكَ عَنْهَا بَاطِنٌ .
231) إِنَّمَا جَعَلَهَا مَحَلاًّ لِلأَغْيَارِ ، وَمَعْدِنًا لِلأَكْدَارِ تَزْهِيدًا لَكَ فِيهَا .
232) عَلِمَ أَنَّكَ لاَ تَقْبَلُ النُّصْحَ الْمُجَرَّدَ فَذَوَّقَكَ مِنْ ذَوَاقِهَا مَا يُسَهِّلُ عَلَيْكَ وُجُودَ فِرَاقِهَا .
233) الْعِلْمُ النَّافِعُ هُوَ الَّذِى يَنْبَسِطُ فِى الصَّدْرِ شُعَاعُهُ ، وَيَنْكَشِفُ بِهِ عَنِ الْقَلْبِ قِنَاعُهُ .
234) خَيْرُ الْعِلْمِ مَا كَانَتِ الْخَشْيَةُ مَعَهُ .
235) الْعِِلْمُ إِنْ قَارَنَتْهُ الْخَشْيَةُ فَلَكَ ، وَإِلاَّ فَعَلَيْكَ .
236) مَتَى آَلَمَكَ عَدَمُ إِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْكَ أَوْ تَوَجُّهُهُمْ بِالذَّمِّ إِلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى عِلْمِ اللهِ فِيكَ ، فَإِنْ كَانَ لاَ يُقْنِعُكَ عِلْمُهُ فَمُصِيبَتُكَ بِعَدَمِ قَنَاعَتِكَ بِعِلْمِهِ أَشَدُّ مِنْ مُصِيبَتِكَ بِوُجُودِ الأَذَى مِنْهُمْ .
237) إِنَّمَا أَجْرَى الأَذَى عَلَى أَيْدِيهِمْ كَيْلاَ تَكُونَ سَاكِنًا إِلَيْهِمْ ، أَرَادَ أَنْ يُزْعِجَكَ عَنْ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى لاَ يَشْغَلَكَ عَنْهُ شَىْءٌ .
238) إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَغْفُلُ عَنْكَ فَلاَ تَغْفُلْ أَنْتَ عَمَّنْ نَاصِيَتُكَ بِيَدِهِ .
239) جَعَلَهُ لَكَ عَدُوًّا لِيَحُوشَكَ بِهِ إِلَيْهِ ، وَحَرَّكَ عَلَيْكَ النَّفْسَ لِيَدُومَ إِقْبَالُكَ عَلَيْهِ .
240) مَنْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ تَوَاضُعًا فَهُوَ الْمُتَكَبِّرُ حَقًّا ، إِذْ لَيْسَ التَّوَاضُعُ إِلاَّ عَنْ رِفْعَةٍ ، فَمَتَى أَثْبَتَّ لِنَفْسِكَ تَوَاضُعًا فَأَنْتَ الْمُتَكَبِّرُ حَقًّا .
241) لَيْسَ الْمُتَوَاضِعُ الَّذِى إِذَا تَوَاضَعَ رَأَى أَنَّهُ فَوْقَ مَا صَنَعَ ، وَلَكِنَّ الْمُتَوَاضِعَ الَّذِى إِذَا تَوَاضَعَ رَأَى أَنَّهُ دُونَ مَا صَنَعَ .
242) التَّوَاضُعُ الْحَقِيقِىُّ هُوَ مَا كَانَ نَاشِئًا عَنْ شُهُودِ عَظَمَتِهِ وَتَجَلِّى صِفَتِهِ .
243) لاَ يُخْرِجُكَ عَنِ الْوَصْفِ إِلاَّ شُهُودُ الْوَصْفِ .
244) الْمُؤْمِنُ يَشْغَلُهُ الثَّنَاءُ عَلَى اللهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِهِ شَاكِرًا ، وَتَشْغَلُهُ حُقُوقُ اللهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِحُظُوظِهِ ذَاكِرًا .
245) لَيْسَ الْمُحِبُّ الَّذِى يَرْجُو مِنْ مَحْبُوبِهِ عِوَضًا ، أَوْ يَطْلُبُ مِنْهُ غَرَضًا ، فَإِنَّ الْمُحِبَّ مَنْ يَبْذُلُ لَكَ ، لَيْسَ الْمُحِبُّ مَنْ تَبْذُلُ لَهُ .
246) لَوْلاَ مَيَادِينُ النُّفُوسِ مَا تَحَقَّقَ سَيْرُ السَّائِرينَ ، إِذْ لاَ مَسَافَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ حَتَّى تَطْوِيَهَا رِحْلَتُكَ ، وَلاَ قُطْعَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ حَتَّى تَمْحُوَهَا وُصْلَتُكَ .
247) جَعَلَكَ فِى الْعَالَمِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ مُلْكِهِ وَمَلَكُوتِهِ لِيُعْلِمَكَ جَلاَلَةَ قَدْرِكَ بَيْنَ مَخْلُوقَاتِهِ ، وَأَنَّكَ جَوْهَرَةٌ تَنْطَوِى عَلَيْكَ أَصْدَافُ مُكَوَّنَاتِهِ .
248) إِنَّمَا وَسِعَكَ الْكَوْنُ مِنْ حَيْثُ جُسْمَانِيَّتِكَ ، وَلَمْ يَسَعْكَ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتِ رُوْحَانِيَّتِكَ .
249) الْكَائِنُ فِى الْكَوْنِ وَلَمْ تُفْتَحْ لَهُ مَيَادِينُ الْغُيُوبِ مَسْجُونٌ بِمُحِيطَاتِهِ وَمَحْصُورٌ فِى هَيْكَلِ ذَاتِهِ .
250) أَنْتَ مَعَ الأَكْوَانِ مَا لَمْ تَشْهَدْ الْمُكَوِّنَ ، فَإِذَا شَهِدْتَهُ كَانَتِ الأَكْوَانُ مَعَكَ .
251) لاَ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْخُصُوصِيَّةِ عَدَمُ وَصْفِ الْبَشَرِيَّةِ ، إِنَّمَا مَثَلُ الْخُصُوصِيَّةِ كَإِشْرَاقِ شَمْسِ النَّهَارِ ظَهَرَتْ فِى الأُفُقِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ ، تَارَةً تُشْرِقُ شُمُوسُ أَوْصَافِهِ عَلَى لَيْلِ وُجُودِكَ ، وَتَارَةً يَقْبِضُ ذَلِكَ عَنْكَ فَيَرُدُّكَ إِلَى حُدُودِكَ ، فَالنَّهَارُ لَيْسَ مِنْكَ وَإِلَيْكَ ، وَلَكِنَّهُ وَارِدٌ عَلَيْكَ .
252) دَلَّ بِوُجُودِ آَثَارِهِ عَلَى وُجُودِ أَسْمَائِهِ ، وَبِوُجُودِ أَسْمَائِهِ عَلَى ثُبُوتِ أَوْصَافِهِ ، وَبِثُبُوتِ أَوْصَافِهِ عَلَى وُجُودِ ذَاتِهِ ، إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَقُومَ الْوَصْفُ بِنَفْسِهِ ، فَأَرْبَابُ الْجَذْبِ يَكْشِفُ لَهُمْ عَنْ كَمَالِ ذَاتِهِ ، ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إِلَى شُهُودِ صِفَاتِهِ ، ثُمَّ يُرْجِعُهُمْ إِلَى التَّعَلُّقِ بِأَسْمَائِهِ ، ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إِلَى شُهُودِ آَثَارِهِ ، وَالسَّالِكُونَ عَلَى عَكْسِ هَذَا ، فَنِهَايَةُ السَّالِكِينَ بِدَايَةُ الْمَجْذُوبِينَ ، وَبِدَايَةُ السَّالِكِينَ نِهَايَةُ الْمَجْذُوبِينَ ؛ لَكِنْ لاَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، فَرُبَّمَا الْتَقَيَا فِى الطَّرِيقِ ، هَذَا فِى تَرَقِّيهِ ، وَهَذَا فِى تَدَلِّيهِ .
253) لاَ يُعْلَمُ قَدْرُ أَنْوَارِ الْقُلُوبِ وَالأَسْرَارِ إِلاَّ فِى غَيْبِ الْمَلَكُوتِ ، كَمَا لاَ تَظْهَرُ أَنْوَارُ السَّمَاءِ إِلاَّ فِى شَهَادَةِ الْمُلْكِ .
254) وِجْدَانُ ثَمَرَاتِ الطَّاعَاتِ عَاجِلاً بَشَائِرُ الْعَامِلِينَ بِوُجُودِ الْجَزَاءِ عَلَيْهَا آجِلاً .
255) كَيْفَ تَطْلُبُ الْعِوَضَ عَلَى عَمَلٍ هُوَ مُتَصَدِّقٌ بِهِ عَلَيْكَ ؟ أَمْ كَيْفَ تَطْلُبُ الْجَزَاءَ عَلَى صِدْقٍ هُـوَ مُهْدِيهِ إِلَيْكَ ؟
256) قَوْمٌ تَسْبِقُ أَنْوَارُهُمْ أَذْكَارَهُمْ ، وَقَوْمٌ تَسْبِقُ أَذْكَارُهُمْ أَنْوَارَهُمْ ، وَقَوْمٌ تَتَسَاوَى أَذْكَارُهُمْ وَأَنْوَارُهُمْ ، وَقَوْمٌ لاَ أَذْكَارَ وَلاَ أَنْوَارَ ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ .
257) ذَاكِرٌ ذَكَرَ لِيَسْتَنِيرَ بِهِ قَلْبُهُ فَكَانَ ذَاكِرًا ، وَذَاكِرٌ اسْتَنَارَ قَلْبُهُ فَكَانَ ذَاكِرًا ، وَالَّذِى اسْتَوَتْ أَذْكَارُهُ وَأَنْوَارُهُ فَبِذِكْرِهِ يُهْتَدَى ، وَبِنُورِهِ يُقْتَدَى .
258) مَا كَانَ ظَاهِرُ ذِكْرٍ إِلاَّ عَنْ بَاطِنِ شُهُودٍ وفِكْرٍ .
259) أَشْهَدَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَشْهِدَكَ ، فنَطَقَتْ بِإِلَهِيَّتِهِ الظَّوَاهِرُ ، وَتَحَقَّقَتْ بِأَحَدِيَّتِهِ الْقُلُوبُ وَالسَّرَائِرُ .
260) أَكْرَمَكَ بِكَرَامَاتٍ ثَلاَثٍ : جَعَلَكَ ذَاكِرًا لَهُ ، وَلَوْلاَ فَضْلُهُ لَمْ تَكُنْ أَهْلاً لِجَرَيَانِ ذِكْرِهِ عَلَيْكَ . وَجَعَلَكَ مَذْكُورًا بِهِ ، إِذْ حَقَّقَ نِسْبَتَهُ لَدَيْكَ . وَجَعَلَكَ مَذْكُورًا عِنْدَهُ فَتَمَّمَ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ .
261) رُبَّ عُمُْرٍ اتَّسَعَتْ آَمَادُهُ وَقَلَّتْ أَمْدَادُهُ ، وَرُبَّ عُمُْرٍ قَلِيلَةٌ آَمَادُهُ كَثِيرَةٌ أَمْدَادُهُ .
262) مَنْ بُورِكَ لَهُ فِى عُمُْرِهِ أَدْرَكَ فِى يَسِيرٍ مِنَ الزَّمَنِ مِنْ مِنَنِ اللهِ تَعَالَى مَا لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ دَوَائِرِ الْعِبَارَةِ ، وَلاَ تَلْحَقُهُ الإِشَارَةُ .
263) الْخُذْلاَنُ كُلُّ الْخُذْلاَنِ أَنْ تَتَفَرَّغَ مِنَ الشَّوَاغِلِ ثُمَّ لاَ تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ ، وَتَقِلُّ عَوَائِقُكَ ثُمَّ لاَ تَرْحَلُ إِلَيْهِ .
264) الْفِكْرَةُ سَيْرُ الْقَلْبِ فِى مَيَادِينِ الأَغْيَارِ .
265) الْفِكْرَةُ سِرَاجُ الْقَلْبِ ، فَإِذَا ذَهَبَتْ فَلاَ إِضَاءَةَ لَهُ .
266) الْفِكْرَةُ فِكْرَتَانِ : فِكْرَةُ تَصْدِيقٍ وَإِيمَانٍ ، وَفِكْرَةُ شُهُودٍ وَعَيَانٍ ، فَالأُولَى لأَرْبَابِ الاعْتِبَارِ ، وَالثَّانِيَةُ لأَرْبَابِ الشُّهُودِ وَالاسْتِبْصَارِ .
1- وَكَتَبَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْبِدَايَاتِ مَجَلاَّتُ النِّهَايَاتِ ، وَإِنَّ مَنْ كَانَتْ بِاللهِ بِدَايَتُهُ كَانَتْ إِلَيْهِ نِهَايَتُهُ ، وَالْمُشْتَغَلُ بِهِ هُوَ الَّذِى أَحْبَبْتَهُ وَسَارَعْتَ إِلَيْهِ ، وَالْمُشْتَغَلُ عَنْهُ هُوَ الْمُؤْثَرُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ مَنْ أَيْقَنَ أَنَّ اللهَ يَطْلُبُهُ صَدَقَ الطَّلَبَ إِلَيْهِ ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الأُمُورَ بِيَدِ اللهِ انْجَمَعَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ لاَ بُدَّ لِبِنَاءِ هَذَا الْوُجُودِ أَنْ تَنْهَدِمَ دَعَائِمُهُ ، وَأَنْ تُسْلَبَ كَرَائِمُهُ ، فَالْعَاقِلُ مَنْ كَانَ بِمَا هُوَ أَبْقَى أَفْرَحَ مِنْهُ بِمَا هُوَ يَفْنَى ، قَدْ أَشْرَقَ نُورُهُ ، وَظَهَرَتْ تَبَاشِيرُهُ ، فَصَدَفَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ مُغْضِيًا ، وَأَعْرَضَ عَنْهَا مُوَلِّيًا ، فَلَمْ يَتَّخِذْهَا وَطَنًا وَلاَ جَعَلَهَا سَكَنًا ، بَلْ أَنْهَضَ الْهِمَّةَ فِيهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى ، وَسَارَ فِيهَا مُسْتَعِينًا بِهِ فِى الْقُدُومِ عَلَيْهِ ، فَمَا زَالَتْ مَطِيَّةُ عَزْمِهِ لاَ يَقَرُّ قَرَارُهَا دَائِمًا تِسْيَارُهَا إِلَى أَنْ أَنَاخَتْ بِحَضْرَةِ الْقُدْسِ وَبِسَاطِ الأُنْسِ مَحَلَّ الْمُفَاتَحَةِ وَالْمُوَاجَهَةِ وَالْمُجَالَسَةِ وَالْمُحَادَثَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُطَالَعَةِ ، فَصَارَتِ الْحَضْرَةُ مُعَشَّشَ قُلُوبِهِمْ ، إِلَيْهَا يَأْوُونَ ، وَفِيهَا يَسْكُنُونَ ، فَإِذَا نَزَلُوا إِلَى سَمَاءِ الْحُقُوقِ وَأَرْضِ الْحُظُوظِ فَبِالإِذْنِ وَالتَّمْكِينِ وَالرُّسُوخِ فِى الْيَقِينِ ، فَلَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الْحُقُوقِ بِسُوءِ الأَدَبِ وَالْغَفْلَةِ ، وَلاَ إِلَى الْحُظُوظِ بِالشَّهْوَةِ وَالْمُتْعَةِ ، بَلْ دَخَلُوا فِى ذَلِكَ كُلِّهِ بِاللهِ وَللهِ وَمِنَ اللهِ وَإِلَى اللهِ . {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ} لِيَكُونَ نَظَرِى إِلَى حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ إِذَا أَدْخَلْتَنِى ، وَاسْتِسْلاَمِى وَانْقِيَادِى إِلَيْكَ إِذَا أَخْرَجْتَنِى ، {وَاجْعَل لِّى مِن لَّدُنْكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} يَنْصُرُنِى وَيَنْصُرُ بِى وَلاَ يَنْصُرُ عَلَىَّ ، يَنْصُرُنِى عَلَى شُهُودِ نَفْسِى وَيُفْنِينِى عَنْ دَائِرَةِ حِسِّى .
2- وَمِمَّا كَتَبَ بِهِ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ : إِنْ كَانَتْ عَيْنُ الْقَلْبِ تَنْظُرُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ فِى مِنَّتِهِ ، فَالشَّرِيعَةُ تَقْتَضِى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ شُكْرِ خَلِيقَتِهِ . وَأَنَّ النَّاسَ فِى ذَلِكَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ : – غَافِلٍ مُنْهَمِكٍ فِى غَفْلَتِهِ قَوِيَتْ دَائِرَةُ حِسِّهِ وَانْطَمَسَتْ حَضْرَةُ قُدْسِهِ فَنَظَرَ الإِحْسَانَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَلَمْ يَشْهَدْهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، إِمَّا اعْتِقَادًا فَشِرْكُهُ جَلِىٌّ ، وَإِمَّا اسْتِنَادًا فَشِرْكُهُ خَفِىٌّ . – وَصَاحِبِ حَقِيقَةٍ غَابَ عَنِ الْخَلْقِ بِشُهُودِ الْمَلِكِ الْحَقِّ وَفَنِىَ عَنِ الأَسْبَابِ بِشُهُودِ مُسَبِّبِ الأَسْبَابِ ، فَهُوَ عَبْدٌ مُوَاجَهٌ بِالْحَقِيقَةِ ، ظَاهِرٌ عَلَيْهِ سَنَاهَا ، سَالِكٌ لِلطَّرِيقَةِ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى مَدَاهَا ، غَيْرَ أَنَّهُ غَرِيقُ الأَنْوَارِ ، مَطْمُوسُ الآَثَارِ ، قَدْ غَلَبَ سُكْرُهُ عَلَى صَحْوِهِ ، وَجَمْعُهُ عَلَى فَرْقِهِ ، وَفَنَاؤُهُ عَلَى بَقَائِهِ ، وَغَيْبَتُهُ عَلَى حُضُورِهِ . – وَأَكْمَلِ مِنْهُ عَبْدٍ شَرِبَ فَازْدَادَ صَحْوًا ، وَغَابَ فَازْدَادَ حُضُورًا ، فَلا َجَمْعُهُ يَحْجُبُهُ عَنْ فَرْقِهِ ، وَلاَ فَرْقُهُ يَحْجُبُهُ عَنْ جَمْعِهِ ، وَلاَ فَنَاؤُهُ يَصُدُّهُ عَنْ بَقَائِهِ ، وَلاَ بَقَاؤُهُ يَصُدُّهُ عَنْ فَنَائِهِ ، يُعْطِى كُلَّ ذِى قِسْطٍ قِسْطَهُ ، وَيُوَفِّى كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ . وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِىَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ لِعَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَتُهَا مِنَ الإِفْكِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عَائِشَةَ اشْكُرِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : وَاللهِ لاَ أَشْكُرُ إِلاَّ اللهَ . دَلَّهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْمَقَامِ الأَكْمَلِ مَقَامِ الْبَقَاءِ الْمُقْتَضِى لإِثْبَاتِ الآَثَارِ ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى : {أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ} ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ)) وَكَانَتْ هِىَ فِى ذَلِكَ الْوَقْتِ مُصْطَلِمَةً عَنْ شَاهِدِهَا ، غَائِبَةً عَنِ الآَثَارِ فَلَمْ تَشْهَدْ إِلاَّ الْوَاحِدَ الْقَهَّارَ .
3- وَلَمَّا سُئِلَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجُعِلَتْ قُرَّةَ عَيْنِى فِى الصَّلاَةِ هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لِغَيْرِهِ مِنْهُ شِرْبٌ ونَصِيبٌ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ : إِنَّ قُرَّةَ الْعَيْنِ بِالشُّهُودِ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرفَِةِ بِالْمَشْهُودِ ، فَالرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَسَلاَمُهُ لَيْسَ مَعْرِفَةُ غَيْرِهِ كَمَعْرِفَتِهِ ، فَلَيْسَ قُرَّةُ عَيْنٍ كَقُرَّتِهِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ قُرَّةَ عَيْنِهِ فِى صَلاَتِهِ بِشُهُودِ جَلاَلِ مَشْهُودِهِ ؛ لأَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِى الصَّلاَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِالصَّلاَةِ ، إِذْ هُوَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَسَلاَمُهُ لاَ تَقَرُّ عَيْنُهُ بِغَيْرِ رَبِّهِ ، وَكَيْفَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ وَيَأْمُرُ بِهِ مَنْ سِوَاهُ بِقَوْلِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَسَلاَمُهُ : اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، وَمُحَالٌ أَنْ يَرَاهُ وَيَشْهَدَ مَعَهُ سِوَاهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ تَكُونُ قُرَّةُ الْعَيْنِ بِالصَّلاَةِ ؛ لأَنَّهَا فَضْلٌ مِنَ اللهِ ، وَبَارِزَةٌ مِنْ عَيْنِ مِنَّةِ اللهِ ، فَكَيْفَ لاَ يَفْرَحُ بِهَا ؟ وَكَيْفَ لاَ تَكُونُ قُرَّةُ الْعَيْنِ بِهَا وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} الآيَة ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ الآَيَةَ قَدْ أَوْمَأَتْ إِلَى الْجَوَابِ لِمَنْ تَدَبَّرَ سِرَّ الْخِطَابِ إِذْ قَالَ {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} وَمَا قَالَ : فَبِذَلِكَ فَافْرَحْ يَا مُحَمَّدُ ، قُلْ لَهُمْ فَلْيَفْرَحُوا بِالإِحْسَانِ وَالتَّفَضُّلِ وَلْيَكُنْ فَرَحُكَ أَنْتَ بِالْمُتَفَضِّلِ كَمَا قَالَ فِى الآَيَةِ الأُخْرَى : {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} .
4- وَكَتَبَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ : النَّاسُ فِى وُرُودِ الْمِنَنِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ : فَرِحٌ بِالْمِنَنِ لاَ مِنْ حَيْثُ مُهْدِيهَا وَمُنْشِئِهَا وَلَكِنْ بِوُجُودِ مُتْعَتِهِ فِيهَا ، فَهَذَا مِنَ الْغَافِلِينَ ، يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} . وَفَرِحٌ بِالْمِنَنِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَهِدَهَا مِنَّةً مِمَّنْ أَرْسَلَهَا وَنِعْمَةً مِمَّنْ أَوْصَلَهَا ، يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} . وَفَرِحٌ بِاللهِ مَا شَغَلَهُ مِنَ الْمِنَنِ ظَاهِرُ مُتْعَتِهَا وَلاَ بَاطِنُ مِنَّتِهَا ؛ بَلْ شَغَلَهُ النَّظَرُ إِلَى اللهِ عَمَّا سِوَاهُ وَالْجَمْعُ عَلَيْهِ ، فَلاَ يَشْهَدُ إِلاَّ إِيَّاهُ ، يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} . وَقَدْ أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : يَا دَاودُ قُلْ لِلصِّدِّيقِينَ بِى فَلْيَفْرَحُوا وَبِذِكْرِى فَلْيَتَنَعَّمُوا . وَاللهُ تَعَالَى يَجْعَلُ فَرَحَنَا وَإِيَّاكُمْ بِهِ ، وَالرِّضَا مِنْهُ ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ عَنْهُ ، وَأَنْ لاَ يَجْعَلَنَا مِنَ الْغَافِلِينَ ، وَأَنْ يَسْلُكَ بِنَا مَسَالِكَ الْمُتَّقِينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ .
5- وَمِنْ مُنَاجَاتِهِ رَضِىَ اللهُ عَنْه ُ:
إِلَهِى أَنَا الْفَقِيرُ فِى غِنَاىَ فَكَيْفَ لاَ أَكُونُ فَقِيرًا فِى فَقْرِى ؟ إِلَهِى أَنَا الْجَاهِلُ فِى عِلْمِى فَكَيْفَ لاَ أَكُونُ جَهُولاً فِى جَهْلِى ؟ إِلَهِى إِنَّ اخْتِلاَفَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ حُلُولِ مَقَادِيرِكَ مَنَعَا عِبَادَكَ الْعَارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إِلَى عَطَاءٍ ، وَالْيَأْسِ مِنْكَ فِى بَلاَءٍ . إِلَهِى مِنِّى مَا يَلِيقُ بِلُؤْمِى ، وَمِنْكَ مَا يَلِيقُ بِكَرَمِكَ . إِلَهِى وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ بِى قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِى ، أَفَتَمْنَعُنِى مِنْهُمَا بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفِى ؟ إِلَهِى إِنْ ظَهَرَتِ الْمَحَاسِنُ مِنِّى فَبِفَضْلِكَ ، وَلَكَ الْمِنَّةُ عَلَىَّ ، وَإِنْ ظَهَرَتِ الْمَسَاوِئُ فَبِعَدْلِكَ وَلَكَ الْحُجَّةُ عَلَىَّ. إِلَهِى كَيْفَ تَكِِلُنِى إِلَى نَفْسِى وَقَدْ تَوَكَّلْتَ لِى ، وَكَيْفَ أُضَامُ وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِى ، أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ الِحَفِىُّ بِى ؟ هَا أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِى إِلَيْكَ ، وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِمَا هُوَ مُحَالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ ؟ أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حَالِى وَهِىَ لاَ تَخْفَى عَلَيْكَ ؟ أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ لَكَ بِمَقَالِى وَهُوَ مِنْكَ بَرَزَ إِلَيْكَ ؟ أَمْ كَيْفَ تَخِيبُ آَمَالِى وَهِىَ قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ ؟ أَمْ كَيْفَ لاَ تَحْسُنُ أَحْوَالِى وَبِكَ قَامَتْ وَإِلَيْكَ ؟ إِلَهِى مَا أَلْطَفَكَ بِى مَعَ عَظِيمِ جَهْلِى ، وَمَا أَرْحَمَكَ بِى مَعَ قَبِيحِ فِعْلِى ، إِلَهِى مَا أَقْرَبَكَ مِنِّى وَمَا أَبْعَدَنِى عَنْكَ ، إِلَهِى مَا أَرْأَفَكَ بِى ! فَمَا الَّذِى يَحْجُبُنِى عَنْكَ ؟ إِلَهِى قَدْ عَلِمْتُ بِاخْتِلاَفِ الآَثَارِ وَتَنَقُّلاَتِ الأَطْوَارِ أَنَّ مُرَادَكَ مِنِّى أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَىَّ فِى كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى لاَ أَجْهَلَكَ فِى شَىْءٍ . إِلَهِى كُلَّمَا أَخْرَسَنِى لُؤْمِى أَنْطَقَنِى كَرَمُكَ وَكُلَّمَا آيَسَتْنِى أَوْصَافِى أَطْمَعَتْنِى مِنَّتُكَ . إِلَهِى مَنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِىَ فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ مَسَاوِيهِ مَسَاوِىَ ؟ وَمَنْ كَانَتْ حَقَائِقُهُ دَعَاوِىَ فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ دَعَاوِيهِ دَعَاوِىَ ؟ إِلَهِى حُكْمُكَ النَّافِذُ وَمَشِيئَتُكَ الْقَاهِرَةُ لَمْ يَتْرُكَا لِذِى مَقَالٍ مَقَالاً ، وَلاَ لِذِى حَالٍ حَالاً . إِلَهِى كَمْ مِنْ طَاعَةٍ بَنَيْتُهَا وَحَالَةٍ شَيَّدْتُهَا هَدَمَ اعْتِمَادِى عَلَيْهَا عَدْلُكَ ، بَلْ أَقَالَنِى مِنْهَا فَضْلُكَ . إِلَهِى أَنْتَ تَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّى فِعْلاً جَزْمًا فَقَدْ دَامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْمًا . إِلَهِى كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ الْقَاهِرُ ؟ وَكَيْفَ لاَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ الآَمِرُ ؟ إِلَهِى تَرَدُّدِى فِى الآَثَارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزَارِ فَاجْمَعْنِى عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِى إِلَيْكَ . إِلَهِى كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ فِى وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ ؟ أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرُ لَكَ ؟ مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ ؟ وَمَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآَثَارُ هِىَ الَّتِى تُوصِلُ إِلَيْكَ ؟ إِلَهِى عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيبًا ، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيبًا . إِلَهِى أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الآَثَارِ فَارْجِعْنِى إِلَيْهَا بِكُسْوَةِ الأَنْوَارِ وَهِدَايَةِ الاسْتِبْصَارِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْهَا مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا ، وَمَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ الاعْتِمَادِ عَلَيْهَا ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ . إِلَهِى هَذَا ذُلِّى ظَاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَهَذَا حَالِى لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ ، مِنْكَ أَطْلُبُ الْوُصُولَ إِلَيْكَ ، وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ ، فَاهْدِنِى بِنُورِكَ إِلَيْكَ ، وَأَقِمْنِى بِصِدْقِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ . إِلَهِى عَلِّمْنِى مِنْ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ ، وَصُنِّى بِسِرِّ اسْمِكَ الْمَصُونِ . إِلَهِى حَقِّقْنِى بِحَقَائِقِ أَهْلِ الْقُرْبِ ، وَاسْلُكْ بِى مَسَالِكَ أَهْلِ الْجَذْبِ . إِلَهِى أَغْنِنِى بِتَدْبِيرِكَ عَنْ تَدْبِيرِى ، وَبِاخْتِيَارِكَ لِى عَنِ اخْتِيَارِى ، وَأَوْقِفْنِى عَلَى مَرَاكِزِ اضْطِرَارِى . إِلَهِى أَخْرِجْنِى مِنْ ذُلِّ نَفْسِى ، وَطَهِّرْنِى مِنْ شَكِّى وَشِرْكِى قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِى . بِكَ أَسْتَنْصِرُ فَانْصُرْنِى ، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلاَ تَكِلْنِى وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ فَلاَ تُخَيِّبْنِى ، وَفِى فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلاَ تَحْرِمْنِى ، وَلِجَنَابِكَ أَنْتَسِبُ فَلاَ تُبْعِدْنِى ، وَبِبَابِكَ أَقِفُ فَلاَ تَطْرُدْنِى . إِلَهِى تَقَدَّسَ رِضَاكَ عَنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ ، فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّى ؟ أَنْتَ الْغَنِىُّ بِذَاتِكَ عَنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ غَنِيًّا عَنِّى ؟ إِلَهِى إِنَّ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ غَلَبَنِى وَإِنَّ الْهَوَى بِوَثَائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِى ، فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ لِى حَتَّى تَنْصُرَنِى وَتَنْصُرَ بِى ، وَأَغْنِنِى بِفَضْلِكَ حَتَّى أَسْتَغْنِىَ بِكَ عَنْ طَلَبِى . أَنْتَ الَّذِى أَشْرَقْتَ الأَنْوَارَ فِى قُلُوبِ أَوْلِيَائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ ، وَأَنْتَ الَّذِى أَزَلْتَ الأَغْيَارَ مِنْ قُلُوبِ أَحْبَابِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِوَاكَ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى غَيْرِكَ ، أَنْتَ الْمُؤْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ الْعَوَالِمُ ، وَأَنْتَ الَّذِى هَدَيْتَهُمْ حَتَّى اسْتَبَانَتْ لَهُمُ الْمَعَالِمُ . مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ ؟ وَمَا الَّذِى فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ ؟ لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِىَ دُونَكَ بَدَلاً ، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً . إِلَهِى كَيْفَ يُرْجَى سِوَاكَ وَأَنْتَ مَا قَطَعْتَ الإِحْسَانَ ؟ وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ الامْتِنَانِ ؟ يَا مَنْ أَذَاقَ أَحِبَّاءَهُ حَلاَوَةَ مُؤَانَسَتِهِ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ ، وَيَا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِيَاءَهُ مَلاَبِسَ هَيْبَتِهِ فَقَامُوا بِعِزَّتِهِ مُسْتَعِزِّينَ . أَنْتَ الذَّاكِرُ مِنْ قَبْلِ الذَّاكِرِينَ ، وَأَنْتَ الْبَادِئُ بِالإِحْسَانِ مِنْ قَبْلِ تَوَجُّهِ الْعَابِدِينَ ، وَأَنْتَ الْجَوَّادُ بِالْعَطَاءِ مِنْ قَبْلِ طَلَبِ الطَّالِبِينَ ، وَأَنْتَ الْوَهَّابُ ثُمَّ أَنْتَ لِمَا وَهَبْتَنَا مِنَ الْمُسْتَقْرِضِينَ . إِلَهِى اطْلُبْنِى بِرَحْمَتِكَ حَتَّى أَصِلَ إِلَيْكَ ، وَاجْذِبْنِى بِمِنَّتِكَ حَتَّى أُقْبِلَ عَلَيْكَ . إِلَهِى إِنَّ رَجَائِى لاَ يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ ، كَمَا أَنَّ خَوْفِى لاَ يُزَايِلُنِى وَإِنْ أَطَعْتُكَ . إِلَهِى قَدْ دَفَعَتْنِى الْعَوَالِمُ إِلَيْكَ ، وَقَدْ أَوْقَفَنِى عِلْمِى بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ . إِلَهِى كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ أَمَلِى ؟ أَمْ كَيْفَ أُهَانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلِى ؟ إِلَهِى كَيْفَ أَسْتَعِزُّ وَأَنْتَ فِى الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِى ؟ أَمْ كَيْفَ لاَ أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَنِى ؟ أَمْ كَيْفَ لاَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِى فِى الْفَقْرِ أَقَمْتَنِى ؟ أَمْ كَيْفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِى بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِى ؟ أَنْتَ الَّذِى لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفَْتَ لِكُلِّ شَىْءٍ فَمَا جَهِلَكَ شَىْءٌ ، وَأَنْتَ الَّذِى تَعَرَّفْتَ إِلَىَّ فِى كُلِّ شَىْءٍ فَرَأَيْتُكَ ظَاهِرًا فِى كُلِّ شَىْءٍ فَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَىْءٍ . يَا مَنِ اسْتَوَى بِرَحْمَانِيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَصَارَ الْعَرْشُ غَيْبًا فِى رَحْمَانِيَّتِهِ كَمَا صَارَتِ الْعَوَالِمُ غَيْبًا فِى عَرْشِهِ . مَحَقْتَ الآَثَارَ بِالآَثَارِ ، وَمَحَوْتَ الأَغْيَارَ بِمُحِيطَاتِ أَفْلاَكِ الأَنْوَارِ ، يَا مَنِ احْتَجَبَ فِى سُرَادِقَاتِ عِزِّهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ ، يَا مَنْ تَجَلَّى بِكَمَالِ بَهَائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتَهُ الأَسْرَارُ . كَيْفَ تَخْفَى وَأَنْتَ الظَّاهِرُ ؟ أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ الرَّقِيبُ الْحَاضِرُ ؟ وَاللهُ الْمُوَفِّقُ وَبِهِ أَسْتَعِينُ .
تم الكتاب بحمد الله نسأل الله النفع به
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
مناجاة للإمام أحمد بن عطاء الله السكندرى رضى الله عنه وأرضاه - بوابة شموس نيوز
كتب : جمال الدين طاهر
قال الحافظ ابن حجر في ترجمته له في (الدرر الكامنة): أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله تاج الدين أبو الفضل الإسكندراني الشاذلي صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي وصنف مناقبه ومناقب شيخه، وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه وهو ممن قام على الشيخ تقي الدين ابن تيمية فبالغ في ذلك، وكان يتكلم على الناس وله في ذلك تصانيف عديدة ومات في نصف جمادى الآخرة سنة 709 بالمدرسة المنصورية كهلاً، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
قال الذهبي: كان له جلالة عجيبة ووقع في النفوس ومشاركة في الفضائل، ورأيت الشيخ تاج الدين الفارقي لما رجع من مصر معظماً لوعظه وإشارته، وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النفوس، ومزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم فكثر أتباعه وكانت عليه سيما الخير… اهـ المراد.
وقال عنه الزركلي في الأعلام: أحمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الفضل تاج الدين، ابن عطاء الله الإسكندري متصوف شاذلي، من العلماء. توفي بالقاهرة، وينسب إليه كتاب: مفتاح الفلاح، وليس من تأليفه. اهـ بتمامه.
والإمام أحمد بن عطاء الله من أئمة التصوف وله عدة مؤلفات منها :
التنوير فى إسقاط التدبير
القصد المجرد فى معرفة الإسم المفرد
تاج العروس فى تهذيب النفوس
نسخة قديمة مطبوعة على هامش التنوير في إسقاط التدبير
الحكم العطائية – ابن عطاء الله السكندري
لطائف المنن
هذه مناجاة للإمام أحمد بن عطاء الله السكندرى رضى الله عنه وأرضاه
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شئ فى الأرض ولا فى السماء وهو السميع العليم، والحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
صلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين القائل:
( إن الله العلى العظيم فى كل نفس مائة ألف فرج قريب ).
وبعد:
إِلهِي، أَنا الفَقِيرُ فِي غِنايَ، فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي؟!
إِلهِي، أَنا الجهوِلُ فِي عِلْمِي، فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي؟!
إِلهِي، إِنَّ اخْتِلافَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ حُلولِ مَقادِيرِكَ مَنَعا عِبادَكَ العارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إِلى عَطاءٍ، وَاليَّأْسِ مِنْكَ فِي بَلاءٍ.
إِلهِي، مِنِّي ما يَلِيقُ بِلُؤْمِي، وَمِنْكَ ما يَلِيقُ بِكَرَمِكَ.
إِلهِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ بِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي، أَفَتَمْنَعُنِي مِنْهُما بَعْدَ وَجُودِ ضَعْفِي؟!
إِلهِي، إِنْ ظَهَرَتِ المَحاسِنُ مِنِّي فَبِفَضْلِكَ، وَلَكَ المِنَّةُ عَلَيَّ.
وَإِنْ ظَهَرَتِ المَساوِيُ مِنِّي فَبِعَدْلِكَ، وَلَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ.
إِلهِي، كَيْفَ تَكِلُنِي إلى نَفْسي وَقَدْ تَوَكَّلْتَ لِي؟! وَكَيْفَ أُضامُ وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِي، أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ الحَفِيُّ بِي؟!ها أَنا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِي إِلَيْكَ.
وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِما هُوَ مَحالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ؟!
أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حالِي وَهُوَ لا يَخْفى عَلَيْكَ؟!
أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقالِي وَهُوَ مِنْكَ بَرَزَ إِلَيْكَ؟!
أَمْ كَيْفَ تُخَيِّبْ آمالِي وَهِي قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ؟!
أَمْ كَيْفَ لا تُحْسِنُ أَحْوالِي وَبِكَ قامَتْ إِلَيْكَ؟!
إِلهِي، ما أَلْطَفَكَ بِي مَعَ عَظِيمِ جَهْلِي، وَما أَرْحَمَكَ بِي مَعَ قَبِيحِ فِعْلِي!
إِلهِي، ما أَقْرَبَكَ مِنِّي وَما أَبْعَدَنِي عَنْكَ!
إِلهِي، ما أَرْأَفَكَ بِي، فَما الَّذِي يَحْجُبُنِي عَنْكَ؟!
إِلهِي، عَلِمْتُ بِاخْتِلافِ الآثارِ وَتَنَقُّلاتِ الأطْوارِ
أَنَّ مُرادَكَ مِنِّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيءٍ حَتَّى لا أَجْهَلَكَ فِي شَيءٍ.
إِلهِي، كُلَّما أَخْرَسَنِي لُؤْمِي أَنْطَقَنِي كَرَمُكَ. وَكُلَّما آيَسَتْنِي أَوْصافِي أَطْمَعَتْني مِنَنُكَ.
إِلهِي، مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَسَاوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ مَساوِؤُهُ مَساوِيَ؟!
وَمَنْ كانَتْ حَقائِقُهُ دَعاوي فَكَيْفَ لا تَكُونُ دَعاواهُ دَعاوي؟!
إِلهِي، حُكْمُكَ النَّافِذُ وَمَشِيئَتُكَ القاهِرَةُ لَمْ يَتْرُكا لِذِي مَقالٍ مَقالاً، وَلا لِذِي حالٍ حالاً.
إِلهِي، كَمْ مِنْ طاعَةٍ بنَيْتُها وَحالَةٍ شَيَّدْتُها هَدَمَ اعْتِمادِي عَلَيْها عَدْلُكَ، بَلْ أَقالَنِي مِنْها فَضْلُكَ!
إِلهِي، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي وَإِنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّي فِعْلاً جَزْما، فَقَدْ دامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْما.
إِلهِي، كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ القاهِرُ، وَكَيْفَ لا أَعْزِمُ وَأَنْتَ الآمِرُ؟!
إِلهِي، تَرَدُّدي فِي الآثارِ يُوجِبُ بُعْدَ المَزارِ، فاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إِلَيْكَ.
إِلهِي، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ؟!
أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟!
مَتى غِبْتَ حَتَّى تَحْتاجَ إِلى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ!
وَمَتى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ؟!
عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً. وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلَ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً.
إِلهِي، أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلى الآثارِ فَارْجِعْنِي إِلَيْهاَ بِكِسْوَةِ الأنْوارِ وَهِدايَةِ الاِسْتِبْصارِ..
حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْها:
مَصُونَ السِّرِّ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْها، وَمَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعْتِمادِ عَلَيْها.
إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.
إِلهِي، هذا ذُلِّي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ.
وَهذا حالِي لا يَخْفى عَلَيْكَ.
مِنْكَ أَطْلُبُ الوُصُولَ إِلَيْكَ، وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ.
فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إِلَيْكَ. وَأَقِمْنِي بِصِدْقِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ.
إِلهِي، عَلِّمْنِي مِنْ عِلْمِكَ المَخْزُونِ، وَصُنِّي بِسِرِّ اسْمِكَ المَصُونِ.
إِلهِي، حَقِّقْنِي بِحَقائِقِ أَهْلِ القُرْبِ. وَاسْلُكَ بِي مَسَالِكَ أَهْلِ الجَذْبِ.
إِلهِي، أَغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ لِي عَنْ تَدْبِيرِي، وَبِاخْتِيارِكَ عَنْ اخْتِيارِي. وَأوْقِفْنِي عَلى مَراكِزِ اضْطِرارِي.
إِلهِي، أَخْرِجْنِي مِنْ ذُلِّ نَفْسِي وَطَهِّرْنِي مِنْ شَكِّي وَشِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي.
بِكَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْنِي، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلا تَكِلْنِي، وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ فَلا تُخَيِّبْنِي،
وَفِي فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلا تَحْرِمْنِي، وَبِجَنابِكَ أَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْنِي، وَبِبابِكَ أَقِفُ فَلا تَطْرُدْنِي.
إِلهِي، تَقَدَّسَ رِضاكَ أَنْ تَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ. فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّي؟!
إِلهِي، أَنْتَ الغَنِيُّ بِذاتِكَ عَنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ. فَكَيْفَ لا تَكُونُ غَنِيّا عَنِّي؟!
إِلهِي، إِنَّ القَضاء وَالقَدَرَ غَلَبَني. وَإِنَّ الهَوى بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِي .. فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ لِي حَتَّى تَنْصُرَنِي وَتَنْصُرَ بِي. وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ حَتَّى اسْتَغْنِي بِكَ عَنْ طَلَبِي.
أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الأنْوارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ.
وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الأَغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ. وَلَمْ يَلْجَأَوا إِلى غَيْرِكَ.
أَنْتَ المُوْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ. وَأَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمْ المَعالِمُ.
ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَما الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟!
لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً.
كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الإحْسانَ؟!
وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ ما بَدَّلْتَ عادَةَ الاِمْتِنانِ؟!
يا مَنْ أَذاقَ أَحِبّاءَهُ حَلاوَةَ مُؤانَسَتِهِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ.
وَيا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِياءهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقامُوا بِعِزَّتِهِ مُسْتَعِزّينَ.
أَنْتَ الذَّاكِرُ قَبْلَ الذَّاكِرِينَ، وَأَنْتَ البادِيُ بِالإحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ العابِدِينَ،
وَأَنْتَ الجَوادُ بِالعَطاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِينَ، وَأَنْتَ الوَهَّابُ، ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ المُسْتَقْرِضِينَ.
إِلهِي، اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حَتَّى أَصِلَ إِلَيْكَ. وَاجْذُبْنِي بِمَنِّكَ حَتَّى أُقْبِلَ عَلَيْكَ.
إِلهِي، إِنَّ رَجائِي لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ.
كَما أَنَّ خَوْفِي لا يُزايِلُنِي وَإِنْ أَطَعْتُكَ.
فَقَدْ دَفَعَتْنِي العَوالِمُ إِلَيْكَ. وَقَدْ أَوْقَفَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ.
إِلهِي، كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ أَمَلِي، أَمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلِي؟!
إِلهِي، كَيْفَ أسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِي، أَمْ كَيْفَ لا أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَنِي؟! إِلهِي، كَيْفَ لا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي فِي الفَقْرِ أَقَمْتَنِي! أَمْ كَيفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِي!
وَأَنْتَ الَّذِي لا إِلهَ غَيْرُكَ، تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيءٍ فَما جَهِلَكَ شَيءٌ.
وَأَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيءٍ فَرَأَيْتُكَ ظاهِراً فِي كُلِّ شَيءٍ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيءٍ .
يا مَنْ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِه عَلى عَرْشِهِ، فَصارَ العَرْشُ غَيْباً فِي رَحْمانِيَّتِهِ. كَما صارَتِ العَوالِمُ غَيْباً في عَرْشِهِ.
مَحَقْتَ الآثارَ بِالآثارِ، وَمَحَوْتَ الأَغْيارَ بِمُحِيطاتِ أَفْلاكِ الأنْوارِ.
بدون نظر