رفتن به محتوای اصلی

محمد بن مكي العاملي الجزّيني الشهيد الأول(734 - 786 هـ = 1333 - 1384 م)

محمد بن مكي العاملي الجزّيني الشهيد الأول(734 - 786 هـ = 1333 - 1384 م)

محمد بن مكي العاملي الجزّيني الشهيد الأول(734 - 786 هـ = 1333 - 1384 م)





الأعلام للزركلي (7/ 109)
الشَّهِيد الأَوَّل
(734 - 786 هـ = 1333 - 1384 م)
محمد بن مكي بن محمد بن حامد العاملي النبطي الجزّيني، شمس الدين الملقب بالشهيد الأول: فقيه إمامي. أصله من النبطية (في بلاد عامل) سكن (جزّين) بلبنان. ورحل إلى العراق والحجاز ومصر ودمشق وفلسطين، وأخذ عن علمائها. واتهم في أيام السلطان (برقوق) بانحلال العقيدة، فسجن في قلعة دمشق سنة، ثم ضربت عنقه، فلقب بالشهيد الأول. من كتبه (اللمعة الدمشقية - ط) و (الرسالة الألفية - ط) و (الرسالة النقلية - ط) و (الدروس الشرعية) مخطوط في شستربتي (3801) وفي النجف (مكتبة الحكيم 39) جزآن. و (البيان) كلها في فقه الشيعة (1) .

ابن ناصر
(000 - بعد 1180 هـ = 000 - بعد 1766 م)
محمد المكيّ بن موسى بن محمد ابن ناصر الناصري الدرعي: مؤرخ، من أهل درعة (في جنوبي المغرب) أقام مدة بمراكش، وكان بفاس (سنة 1158) ثم بمكناس. من كتبه (الدرر المرصعة بأخبار أعيان درعة - خ) في خزانة الرباط (265 ك) ، وفي الزيدانية بمكناس وغيرهما. مرتب على الحروف، و (الروض الزاهر في التعريف بالشيخ حسين وأتباعه الأكابر - خ) ثمانية كراريس، ضمن مجموع في الخزانة الأحمدية بفاس، ترجم به للحسين ابن محمد الناصري وأتباعه، و (فتح الملك الناصر في إجازات بني ناصر - خ) بخطه، في خزانة الرباط (726 أو 762 ج والشك مني) أنجزها سنة
__________
(1) شهداء الفضيلة 80 ودار الكتب 1: 573 وانظر Brock S 2: 131 - 132.




غاية النهاية في طبقات القراء (2/ 265)
المؤلف: شمس الدين أبو الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف (المتوفى: 833هـ)
3480- محمد بن مكي بن محمد بن حامد3 أبو عبد الله الجزيني الشافعي كذا كتب بخطه لي في استدعاء, ولكنه شيخ الشيعة والمجتهد4 في مذهبهم، ولد بعد العشرين وسبعمائة، ورحل إلى العراق وأخذ عن ابن المطهر وغيره, وقرأ القراءات على أصحاب ابن مؤمن وذكر لي ابن اللبان أنه قرأ عليه، وهو إمام في الفقه والنحو والقراءة, صحبني مدة مديدة فلم أسمع منه ما يخالف السنة ولكن قامت عليه البينة بآرائه5 فعقد له مجلس بدمشق واضطر, فاعترف ليحكم بإسلامه الشافعي فما حكم وجعل أمره إلى المالكي فحكم بإراقة دمه, فضربت عنقه تحت القلعة بدمشق وكنت إذ ذاك بمصر وأمره إلى الله تعالى.


غاية النهاية في طبقات القراء (2/ 72)
2755- محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع, شيخنا أبو المعالي بن اللبان الدمشقي, أستاذ محرر ضابط، ولد فيما أخبرني سنة خمس عشرة وسبعمائة, وطلب القراءات سنة سبع وعشرين وما بعدها فتخرج بالإمام أبي العباس أحمد بن نحلة سبط السلعوس وقرأ عليه ختمات متفرقة في القراءات وقرأ بعض المفردات على الأستاذ ابن بضحان, ثم رحل إلى الخليل وقرأ على الجعبري نصف حزب جمعا للسبعة ودخل المقدس, وقرأ على ابن جبارة بعض مفردات فيما أخبرني ثم دخل مصر فقرأ على أبي حيان بمضمن قصيدتيه اللاميتين في السبع, وقراءة يعقوب سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة, وأخبرنا أنه قرأ بالقاهرة على إبراهيم الحكري وابن السراج وابن منير ثم دخل الإسكندرية فأخذ التيسير عن أحمد العشاب المرادي وسمع الوجيهية ثم عاد إلى دمشق فقرأ العشر على ابن مؤمن الواسطي بمضمن الكنز1 سنة ثلاث وثلاثين, وقرأ على ابن جابر الوادياشي السبع, وأخبرنا أنه تلا عليه ليعقوب من طريق الداني وتلا السبع على إسماعيل بن إبراهيم الكردي ومحمد بن أحمد الرقي، وأقبل على الإقراء فلم يكن في زمانه أحسن استحضارا منه للقراءات, وولي مشيخة الإقراء بالدار الأشرفية وبجامع التوبة والجامع الأموي, ثم لما توفي الشهاب أحمد بن بلبان البعلبكي سنة أربع وستين ولي مكانه مشيخة مشايخ الإقراء بتربة أم الصالح بدمشق؛ لأن من شرطها أن يكون شيخها أعلم أهل البلد بالقراءات ولقد كان أحق بها منه في حياته وأقرأ الناس زمانا وانتفع به خلق ورحل الناس إليه من الأقطار وبعد صيته واشتهر اسمه، فقرأت عليه بمضمن كتب وقرأ عليه ولده عمر والشيخ نصر بن محمد الجوخي وعمر بن بلبان العقيبي1 والشيخ أبو العباس أحمد بن ربيعة ومحمد بن شرفشاه الطوسي وإبراهيم الضرير ومحمد بن البطائني والإمام شمس الدين بيرو السرائي وموسى بن ناصر الناصري ونجم الدين محمود السمناني وصاحبنا أبو العباس أحمد بن محمد بن المهندس وأحمد البرمي الضرير ومحمد بن محمد بن ميمون البلوي الغرناطي والشيخ شهاب الدين أحمد بن عياش ومحمد بن محمد بن حامد المؤذن وعلي بن القطان وصالح بن محمد الصرخدي وحمزة العنبري وعلي البانياسي وعلي البلداني2, هؤلاء الذين كملوا عليه, وقرأ عليه خلق سواهم لم يكملوا عليه، توفي رحمه الله ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة, وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي ودفن خارج باب الفراديس, ولم أكن حاضرا بدمشق فولي المشيخة الكبرى بتربة أم الصالح بعده ابن السلار وباقي وظائفه أولاده.



غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 143)
670- أحمد بن مؤمن بن أبي نصر أبو العباس الأسعردي نزيل دمشق المعروف باللبان مقرئ حاذق مجود، قرأ على أبي شامة والشيخ زين الدين الزواوي3، وجلس تحت النسر فأقرأ وكان دينا متواضعًا، وهو والد الشيخ أبي عبد الله بن اللبان الفقيه الشافعي الصوفي الشاذلي، مات في جمادى الأولى سنة ست وسبعمائة عن سبعين سنة.




غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 429)
1805- "ن" عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه هبة الله نجم الدين أبو محمد الواسطي الأستاذ العارف المحقق الثقة المشهور كان شيخ العراق في زمانه، ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة، وقرأ بالكثير على الشيوخ فبواسط على أحمد ومحمد ابني غزال بن مظفر وأحمد بن محمد بن أحمد بن المحروق وإلى آخر الأنفال على عليّ بن عبد الكريم خريم ثم قدم دمشق وبادر إلى إدراك التقي الصائغ بمصر فقرأ عليه ختمة بمضمن عدة كتب في سبعة عشر يومًا، وطاف البلاد على طريق التجارة فقرأ عليه بمصر المجد إسماعيل بن يوسف الكفتي وشيخنا الحسن بن محمد بن صالح النابلسي الحنبلي للعشر فيما أخبرني وبدمشق الشيخ أحمد بن منحلة سبط السلعوس والشيخ محمد اليمني إمام دار الحديث وشيخنا أحمد بن إبراهيم بن سالم بن الطحان وشيخنا الأستاذ أبو المعالي بن اللبان والصلاح أبو بكر الأعزازي وأبو العباس أحمد بن محمد السبتي وأحمد بن عبد ........ وكان دينًا خيرًا صالحًا ضابطًا اعتنى بهذا الشأن أتم عناية وقرأ بما لم يقرأ به غيره في زمانه فلو قرئ عليه بما قرأ أو على صاحبه الشيخ علي الديواني الواسطي لاتصلت أكثر الكتب المنقطعة ولكن قصور الهمم أوجب العدم فلا قوة إلا بالله وليتهم لو أدركوا ما بقي من اليسير من ذلك قبل أن يطلبوه فلا يجدوه4، توفي -رحمه الله تعالى- ببغداد في العشرين من شوال أو القعدة سنة أربعين وسبعمائة ودفن بمقبرة الشونيزية وشيعه خلق كثير ولم يخلف بعده بالعراق مثله.



غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 3)
فهذا كتاب غاية النهاية. من حصله أرجو أن يجمع بين الرواية والدراية. اختصرت فيه كتاب طبقات القراء الكبير الذي سميته: نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات. وأتيت فيه على جميع ما في كتابي الحافظين أبي عمرو الداني وأبي عبد الله الذهبي رحمهما الله وزدت عليهما نحو الضعف...






روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 3
[الجزء السابع‏]
[باب ما اوله الميم من الاسماء الفقهاء]
592 الشيخ الشهيد و السيح السعيد و الركن العميد و القطب الحميد شمس الملة و الدين ابو عبد اللّه محمد بن الشيخ جمال الدين مكى بن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد بن احمد النبطى العاملى الجزينى «*»

نسبة إلى جزّ بن على وزن سكّين من قرى جبل عامل النّاحية المعروفة المتكرّر ذكرهما فى ذيل تراجم علمائنا الأعلام، و الواقعة كما عن «تاريخ المغربى» على الطّرف الجنوبىّ من بلدة دمشق الشّام، على أسفاح جبل لبنان، المشتهر من جبال تلك الأرض فى سعة ثمانية عشر فرسخا من الطّول؛ فى تسعة فراسخ من العرض، خرج منها من علماء الشّيعة الإماميّة ما ينيف على خمس مجموعهم، مع انّ بلادهم بالنّسبة إلى باقى البلدان أقلّ من عشر العشر، كما ذكره صاحب «امل الآمل» فى ذكر علماء جبل عامل، حتّى أنّه قال: و قد سمعت من بعض مشايخنا أنّه اجتمع فى جنازة فى قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهدا فى عصر الشّهيد الثّانى، و بالجملة فهذا الرّجل الأجلّ الأبجل هو المراد بالشّهيد الأوّل و بالشهيد المطلق أيضا فى كلمات جميع أهل الحقّ، و كان رحمه اللّه بعد مولانا المحقّق على الإطلاق أفقه جميع فقهاء الآفاق، و أفضل من‏
__________________________________________________
(*) له ترجمة فى: اعيان الشيعة 47: 36، امل الآمل 1: 181 تحفة الاحباب 354، تنقيح المقال 3: 191، جامع الرواة 2: 203، الذريعة 2: 196، رياض العلماء خ ريحانة الادب 3: 276، سفينة البحار 1: 721، شذرات الذهب 946، شهداء الفضيله 80، الفوائد الرضوية 644 الكنى و الالقاب 2: 377، لؤلؤة البحرين 142، مجالس المؤمنين 1: 579، المستدرك 3: 437، المقابس 18 و انظر حياة الامام الشهد الاول.



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 4
انعقد على اكمال خبرته و استاديّته اتّفاق أهل الوفاق، و توحّده فى حدود الفقه و قواعد الأحكام، مثل تفرّد شيخنا الصّدوق فى نقل أحاديث أهل البيت الكرام عليهم السّلام، و مثل تسلّم شيخنا المفيد و سيّدنا المرتضى فى الأصول و الكلام و الزام اهل الجدل و الألدّ من الخصام، و شيخنا الطّوسى فى سعة الدّائرة و تذييل الارقام و كثرة الأساتيد و التّلامذة من الاجلّاء الأعلام، و محمّد بن ادريس الحلّى فى تنقيح الحرام و تمشيته النّقض و الإبرام، و نصير الدّين الطّوسى فى حلّ مشكلات الأنام و نجم الأئمّة الرّضى فى تنقيح النّحو و التّصرف على سبيل الأحكام و المحقّق الخوانسارىّ فى توقّد القريحة و التّصرّف الجيّد فى كلّ مقام، و سمينا العلّامة المجلسىّ فى تقديم مراسم الحكم و الآداب الشّرعيّة إلى أذهان الخواص و أفهام العوام، و إمامنا المروّج البهبهانى فى إحقاق الحقّ و إبطال بائر الباطل و تسجيل المرام من الأوهام.
هذا. و فى بعض الحواشى المعتبرة على «شرح اللّمعة» عند بلوغ الكلام فى باب المحرّمات من المكاسب إلى قول المصنّف رحمه اللّه «و تعلّم السّحر» ثمّ اتباعه من الشّارح المرحوم بقوله: و لا بأس بتعلّمه ليتوفّى به أو يدفع سحر المتنبّى به ما صورته كما دفع المصنّف- قدّس سرّه نبوّة محمّد الجالوشىّ- لمّا ادّعى النّبوّة فى جبل عامله، و بلغ أمره ما بلغ، فقتله المصنّف- قدّس سرّه- فى سلطنة برقوق بعد إبطال سحره انتهى.
و فيه أيضا من الدّلالة على عظم قدر الرّجل و جلالة شأنه و نفاذ كلماته الصّادرة فى تلك المملكة ما لا يخفى؛ مضافا إلى دلالة كثرة حاسديه و معانديه و اشتهار رأيه المنير بين العرب و العجم و أهل المشرق و المغرب من العالم كما علمته و سوف تعلم ذلك أيضا فليلاحظ.
و قد كان معظم اشتغاله فى العلوم عند فخر الدّين ابن العلّامة المرحوم، و له الرّواية أيضا عنه بالإجازة الّتى كتبها له بخطّه الشّريف على ظهر كتاب «القواعد» عند قراءته عليه، و من جملة ما كتبه هناك فيما نقل عنه- قدّس سرّه- ما صورته هكذا: قرأ عليّ مولانا الإمام العلّامة الأعظم أفضل علماء العالم سيّد فضلاء بني آدم مولانا شمس الحقّ‏



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 5
و الدّين محمّد بن مكّى بن محمّد بن حامد- أدام اللّه أيّامه- من هذا الكتاب مشكلاته إلى أن كتب: و أجزت له رواية جميع كتب والديّ- قدّس سرّه- و جميع ما صنّفه أصحابنا المتقدّمون- رضى اللّه عنهم عنّى عن والدى عنهم بالطّرق المذكورة لها، إلى آخر ما ذكره «1».
و من جملة أساتيده الكابرين أيضا المجازين له فى الاجتهاد و الرّواية، هما الأخوان المعظّمان المسلّمان المقدّمان، السيّد عميد الدّين عبد المطّلب، و السيّد ضياء الدّين عبد اللّه الحليّان الحسينيان المتقدّما البيان و العنوان شارحا كتاب «تهذيب» خالهما الإمام العلّامة عليهم الرّضوان بشرحيهما المقترحين اللّذين كتب شيخنا الشّهيد هذا فى مقام الجمع بين حقّيهما كتابه المشتهر بالجمع بين الشّرحين و له الرّواية أيضا بالإجازة و غيرها عن جماعة أخرى كابرين و معتمدين من المحدّثين و المجتهدين مثل السيّد تاج الدين بن معيّة الحسنى و السيّد علاء الدّين ابن زهرة الحسينى أحد المجازين الثلاثة من العلّامة باجازته الكبيرة التّامّة، و السيّد مهنا بن سنان المدنى صاحب «المسائل» عنه و عن ولده فخر المحققين، و الشّيخ علىّ بن طران المطارآبادى الملقّب برضىّ الدّين، و الشّيخ رضى الدّين علىّ بن أحمد المشتهر بالمزيدى، و الشّيخ جلال الدّين محمّد بن الشّيخ شمس الدّين محمّد الحارثىّ أحد تلامذة مولانا المحقّق الحلّى، و مثل الشّيخ محمّد بن جعفر المشهدىّ، و أحمد بن الحسين الكوفىّ، و الشّيخ قطب الدّين محمّد بن محمّد البويهىّ الرّازى، و يروي أيضا مصنّفات العامّة عن نحو أربعين شيخا من علمائهم كما ذكره فى بعض إجازاته، و الظّاهر عندى انّ القطب الرازى أيضا منهم، و ان اشتبه الأمر على نفس هذا الرّجل المجاز منه فى الرّواية، حيث صرح فى بعض اجازاته بأنّه من علماء الإماميّة- كما تقدّم- تفصيل القول فى ذلك فى ذيل ترجمة قطب الدّين المذكور، و منهم أيضا بمقتضى ما وجدته من الإجازة الصّادرة له هو الشّيخ شمس الدّين محمّد بن يوسف‏
__________________________________________________
(1) راجع بحار الانوار 107: 177



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 6
القرشىّ الشّافعى الكرمانىّ، الرّاوى عن القاضى عضد الدّين الإيجى الاصولىّ، و ولده زين الدّين أحمد بن عبد الرّحمن العضدىّ.
هذا، و فى بعض إجازات السيّد الفاضل الفقيه حسين بن السيد حيدر العاملىّ- المتقدّم ذكره فى باب ما أوّله الحاء المهملة- انّه سمع من شيخه و سميّه المتقدّم ذكره و ترجمته أيضا قبله، أعنى سيّد المحققين حسين بن الحسن الحسينىّ الموسوىّ ابن بنت مولانا المحقّق الشّيخ علىّ، أنّه كان يقول:
انّ شيخنا الشّهيد- قدّس اللّه سرّه- ذكر فى بعض كلماته أنّ طرقه إلى الأئمّة المعصومين عليهم السّلام ما يزيد على ألف طريق.
و ذكر فخر الملّة و الدّين محمّد بن العلّامة فى بعض إجازاته: انّ طرقه إلى الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام؛ يزيد على المائة ثم قال: و الحمد للّه أنّ جميع هذه الطّرق داخلة فى طرقى، و لو حاولنا ذكر طرق كلّ من بلغنا من المصنّفين لطال الخطب، و اللّه ولّى التّوفيق.
أقول: و لا يبعد أن يكون من جملة طرقه أيضا ما يكون رواية له عن والده الفاضل الجليل مكي بن محمّد بن حامد الجزينىّ، الّذى وصفه صاحب «الأمل» بأنّه من أجلّاء مشايخ الإجازة و نقل أيضا عن ولده الشّهيد المرحوم فى ذيل ترجمة الشّيخ نجم الدّين طمان بن أحمد العاملىّ الفاضل المحقّق الرّاوى بواسطة الشّيخ شمس الدّين محمّد بن صالح عن السيّد فخار بن معد الموسوى، أنّه ذكر فى بعض إجازاته أن والده جمال الدّين أبا محمّد المكّي من تلامذة الشّيخ الفاضل العلّامة نجم الدين بن طومان، و المترددين إليه إلى حين سفره إلى الحجاز الشّريف، و وفاته بطيّبة سنة ثمان و عشرين و سبعمائة و ما قاربها و اللّه العالم بحقايق الأمور.
و أمّا الأخذ منه و الرّواية عنه و التّلمذ لديه، فهى أيضا لجملة علمائنا الأعيان، و جمّه من عظماء ذلك الزّمان، منهم: أبناؤه الأمجاد الثّلاثة الآتي إلى ابنائهم الإنباه فى ذيل التّرجمة الآتية إنشاء اللّه، و زوجته الفاضلة الفقيهة العابدة المدعوّة بام علىّ،



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 7
و هى الّتى ذكر صاحب «الأمل» أن الشّهيد كان يثنّى عليها، و يأمر النّساء بالرّجوع إليها، و كذا بنته الصّالحة الفاضلة الفقيهة أمّ الحسن فاطمة المدعوّة بستّ المشايخ، و هى الّتى كان أبوها يأمر النّساء بالاقتداء بها و الرّجوع إليها، فى مسائل الحيض، و فروض الصّلاة، كما ذكره أيضا فى «الامل» و غيره.
و قد مرّ فى ترجمة شيخ أبيها و أخويها ابن معيّة الحسنى الحلّى انّ لها الرّوايه عنه أيضا بالإجازة، و منهم: الشّيخ مقداد السيورىّ- الآتى ذكره و ترجمته إنشاء اللّه صاحب كتاب «التّنقيح» و غيره، و الشيخ حسن بن سليمان الحلّى، صاحب «مختصر بصائر الدرجات» و السيّد بدر الدّين حسن بن أيّوب الشّهير بابن نجم الدّين الأعرج الحسينى، جدّ السيّد بدر الدّين حسن بن السيّد جعفر الأعرجىّ؛ الّذى هو من أعاظم مشايخ الشّهيد الثّانى، و من جملة ما وصفه به الشّهيد فى إجازته الكبيرة المشهورة أفضل المتأخّرين فى قوتيه العلميّة و العمليّة، صاحب كتاب «المحجة البيضاء» فى الطّهارة، و كتاب «العمدة الجليّة» فى الأصول و «مقنع الطّلّاب» فى علم الإعراب و «شرح الجزريّة» فى القراءات و غير ذلك.
و منهم: الشّيخ شمس الدّين محمّد بن نجدة الشّهير بابن عبد العالى شيخ رواية الحسن بن العشرة- المتقدّم فى باب الأحمدين- و غيره اليه الإشارة.
و منهم: الشّيخ شمس الدّين محمّد بن عبد العالى الكركىّ العاملىّ، الّذى نقل في حقّه عن خطّ الشّيخ محمّد بن علىّ الجباعىّ، جدّ شيخنا البهائى، أنّ الشّهيد المرحوم كتب إليه تهنئة لقدومه المسعود:
قدمت بطالع السّعد السّعيد و حيّاك القريب مع البعيد
و أحييت القلوب و كان كلّ من الأصحاب بعدك كالفقيد
نمت بحجّ بيت اللّه حقّا و بلّغت الأمانيّ في الصّعود
و زرت المصطفى و بنيه حتّى و صلت إلى المكارم و السّعود
و عاودت الأقارب في نعيم من الرّحمن أتبع بالخلود




روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 8
و دام لك الهناء بهم و داموا مع الأيّام في رغم الحسود
فلو خلّفت حاكيت المثانى بطاعة والد رؤف ودود
و إنّي مشفق و العزم منّي لقاءك من قصير أو مديد

و منهم: الشّيخ زين الدّين علىّ بن الخازن الحائرى؛ شيخ رواية أحمد بن فهد الحلّى، صاحب «المهذّب» و «الموجز» و «عدّة الدّاعى» و عندنا صورة ما كتبه الشهيد المرحوم من الإجازة له، و من جملة ما ذكر فيها قوله: و لمّا كان المولى الشّيخ العالم المتّقي الورع المحصّل القائم بأعباء العلوم الفائق أولى الفضائل و الفهوم زين الملّة و الدّين أبو الحسن علىّ بن المرحوم السّعيد الصّدر الكبير العالم عزّ الدين أبى محمّد الحسن بن المرحوم المغفور سيّدنا الإمام شمس الدّين محمّد الخازن بالحضرة الشّريفة المقدّسة المطهرة مهبط ملائكة اللّه و معدن رضوان اللّه الّتى هى من أعظم رياض الجنّة المستقرّ بها سيد الإنس و الجنّة، إمام المتّقين و سيّد الشّهداء فى العالمين ريحانة رسول اللّه و سبطه و ولده أبى عبد اللّه الحسين ابن سيّد الثّقلين أمير المؤمنين أبى الحسن علىّ ابن أبى طالب صلّى اللّه عليهم أجمعين، ممّن رغب فى اقتناء العلوم العقليّة و النّقليّة الأدبيّة و الشّرعيّة استجاز العبد المفتقر إلى اللّه تعالى محمّد بن مكّى؛ فاستخار اللّه تعالى و أجاز له جميع ما يجوز عنه، و له روايته من مصنّف و مؤلف و منثور و منظوم و مقروء و مسموع و مناول و مجاز فما صنّفه كتاب «القواعد و الفوائد» فى الفقه مختصر يشتمل على ضوابط كليّة أصوليّة و فرعية يستنبط منها أحكام شرعية لم يعمل الاصحاب مثله و من ذلك كتاب «الدّروس الشرعيّة فى فقه الإماميّة» خرج من تصنيفه فى مجلّد و من ذلك كتاب «غاية المراد فى شرح الإرشاد» فى الفقه، و من ذلك «شرح التهذيب الجمالى» فى أصول الفقه، و من ذلك كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» مختصر لطيف في الفقه و من ذلك رسالتان فى الصّلاة تشتملان على حصر فرضها و نقلها فى أربعة آلاف مسألة محاذاة لقولهم عليهم الصّلاة «للصّلاة أربعة آلاف باب»، و من ذلك رسالة في التّكليف و فروعه، و من ذلك رسالة تشتمل على مناسك الحجّ مختصرة جامعة، و غير ذلك من‏



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 9
رسائل و كتب شرع إتمامها فى الفقه و الكلام و العربيّة إنشاء اللّه تعالى إلى آخر ما زبره و حررّه و من السّبيل يسرّه و من السّديد أسفره و أطال فيه زوبره حتّى إذا بلغ منه ختامه و سوّغ له إكماله و إتمامه فكتب: و كتب العبد المفتقر إلى عفو اللّه و كرمه محمد بن مكى بن محمّد بن حامد بن أحمد النّبطى بدمشق المحروسة، منتصف نهار الأربعاء المعرب عن ثانى عشر شهر رمضان المبارك عمّت بركته، سنة أربع و ثمانين و سبعمائة، و الحمد للّه أبد الآبدين، و صلّى اللّه على سيّدنا أفضل الخلائق أجمعين، أبى القاسم حبيب اللّه خاتم النّبيّين و عترته الطّاهرين و صحبه الأخيار المنتجبين.
هذا و قد ذكره صاحب «الأمل» بعنوان الشّيخ شمس الدّين أبو عبد اللّه الشّهيد محمد بن مكّى العاملىّ الجزينىّ، و قال فى صفته: كان عالما ماهرا فقيها محدّثا ثقة متبحّرا كاملا جامعا لفنون العقليّات و النّقليات زاهدا عابدا ورعا شاعرا أديبا منشئا فريد دهره و عديم النّظير فى زمانه، روى عن الشّيخ فخر الدّين محمّد ابن العلّامة و عن جماعة كثيرة من علماء الخاصّة و العامّة؛ و ذكر فى بعض إجازاته أنّه روى مصنّفات العامّة عن نحو أربعين شيخا من علمائهم نقل ذلك الشّيخ حسن.
له كتب منها كتاب «الذّكرى» خرج منه الطّهارة و الصّلاة جلد، كتاب «الدّروس الشّرعيّة فى فقه الإماميّة» خرج منه أكثر الفقه لم يتمّ، كتاب «غاية المراد فى شرح نكت الإرشاد» و كتاب «جامع البين فى فوائد الشّرحين» جمع فيه بين شرحى تهذيب الأصول للسيّد عميد الدّين و السيّد ضياء الدّين رأيته بخطّ الشّهيد الثّانى، و كتاب «البيان» فى الفقه لم يتم، و رسالة «الباقيات الصالحات» و «اللّمعة الدّمشقيّة» فى الفقه و «الأربعون حديثا» و «الألفيّة في فقه الصّلاة اليوميّة» و رسالة فى «قصر من سافر بقصد الإفطار و التّقصير» و «النّفليّة» و «خلاصة الاعتبار فى الحجّ و الاعتمار» و «القواعد» و رسالة «التّكليف» و إجازة مبسوطة حسنة، و عدّة إجازات، و كتاب «المزار» و غير ذلك.
و قد ذكره السيّد مصطفى التّفرشى فى رجاله فقال: شيخ الطّائفة و ثقتها نقىّ‏



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 10
الكلام جيّد التّصانيف له كتب منها «البيان» و «الدّروس» و «القواعد»، روى عن فخر الدّين محمّد بن الحسن العلّامة انتهى.
و له شعر جيّد و يروى لغيره:
غننا بنا عن كلّ من لا يريدنا و إن كثرت أوصافه و نعوته‏
و من صدّ عنّا حسبه الصّدّ و القلا و من فاتنا يكفيه أنّا نفوته‏

و قوله:
عظمت مصيبة عبدك المسكين في نوعه من مهر حور العين‏
الأولياء تمتّعوا بك في الدّجى بتهجد و تخشّع و حنين‏
فطردتني عن قرع بابك دونهم أ ترى لعظم جرائمي سبقوني‏
أوجدتهم لم يذنبوا فرحمتهم أم أذنبوا فعفوت عنهم دوني‏
إن لم يكن للعفو عندك موضع للمذنبين فأين حسن ظنوني‏

و كانت وفاته سنة ستّ و ثمانين و سبعمائة التّاسع من جمادى الأولى، قتل بالسّيف ثمّ صلب ثمّ رجم بدمشق فى دولة بيد مر و سلطنة برقوق بفتوى القاضى برهان الدّين المالكىّ، و عباد بن جماعة الشّافعى بعد ما حبس سنة كاملة فى قلعة الشّام، و فى مدّة الحبس ألّف «اللّمعة الدمشقيّة» فى سبعة أيّام، و ما كان يحضره من كتب الفقه غير «المختصر النّافع».
و كان سبب حبسه و قتله انّه وشى به رجل من أعدائه و كتب محضرا يشتمل على مقالات شنيعة عند العامّة من مقالات الشّيعة و غيرهم، و شهد بذلك جماعة كثيرة و كتبوا عليه شهاداتهم و ثبت ذلك عند قاضى صيدا، ثمّ أتوا به إلى قاضى الشّام، فحبس سنة، ثمّ أفتى الشّافعى بتوبته و المالكى تقبله، فتوقّف فى التّوبة خوفا من أن يثبت عليه الذّنب و أنكر ما نسبوه إليه للتّقيّة، فقالوا: قد ثبت ذلك عليك و حكم القاضى لا ينقض و الإنكار لا يفيد، فغلب رأى المالكى لكثرة المتعصّبين عليه، فقتل ثمّ صلب و رجم ثمّ أحرق-



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 11
قدّس اللّه روحه- سمعنا ذلك من بعض المشايخ، و ذكر أنّه وجده بخطّ المقداد تلميذ الشّهيد انتهى كلام «الأمل».
و قال شيخنا الشّهيد الثّانى رحمه اللّه فى «شرح اللّمعة» عند قول المصنف «إجابة لالتماس بعض الدّيانين» و هذا البعض هو شمس الدين محمّد الآوي من أصحاب السّلطان علىّ بن مؤيد ملك خراسان و ما والاها فى ذلك الوقت الى أن استولى على بلاده تيمور لنك فصار معه قسرا إلى إن توفّى فى حدود سنة خمس و تسعين و سبعمائة بعد أن استشهد المصنّف- قدّس اللّه سرّه- بتسع سنين، و كان بينه و بين المصنّف قدّس سرّه مودّة، و مكاتبة على البعد إلى العراق، ثمّ الى الشّام، و طلب منه اخيرا التّوجه إلى بلاده فى مكاتبة شريفة أكثر فيها من التّلطّف و التّعظيم و الحثّ للمصنّف رحمه اللّه على ذلك، فأبى و اعتذر إليه، و صنّف له هذا الكتاب بدمشق فى سبعة أيّام لا غير، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمّد، و أخذ شمس الدّين الآوى نسخة الأصل، و لم يتمكّن أحد من نسخها منه لظنّته بها، و إنّما نسخها بعض الطّلبة و هو فى يد الرّسول تعظيما لها، و سافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ما، ثمّ أصلحه المصنّف بعد ذلك بما يناسب المقام، و ربّما كان مغايرا للأصل بحسب اللّفظ، و ذلك فى سنة اثنتين و ثمانين و سبعمائة.
و نقل عن المصنّف رحمه اللّه انّ مجلسه بدمشق فى ذلك الوقت ما كان يخلو غالبا من علماء الجمهور لخلطته بهم و صحبته لهم، قال: فلمّا شرعت فى تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل علىّ أحد منهم فيراه، فما دخل علىّ أحد منذ شرعت فى تصنيفه إلى أن فرغت منه، و كان ذلك من خفّى الألطاف، و هو من جملة كراماته قدّس اللّه روحه و نور ضريحه انتهى «1».
و فيه من الدّلالة على بطلان ما ذكره صاحب «الأمل» من كون تأليفه كتاب اللّمعة فى سنة حبسه الّتى كانت خاتمة سني حياته ما لا يخفى.
__________________________________________________
(1) الروضة البهية فى شرح اللمعة الدمشقية 23- 24



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 12
و قال صاحب «اللّؤلؤة» بعد نقله لما ذكر و نقضه على من زبر بما زبر: و رأيت بخطّ شيخنا العلّامة أبى الحسن الشّيخ سليمان بن عبد اللّه البحرانى المتقدّم ذكره فى صدر الإجازة ما صورته: وجدت فى بعض المجموعات بخطّ من أثق به منقولا من خطّ الشّيخ العلّامة جعفر بن كمال الدّين البحرانىّ ما هذه صورته: وجدت بخطّ شيخنا المرحوم المبرور العالم العامل أبى عبد اللّه المقداد السيورىّ ما هذه صورته: كانت وفاة شيخنا الأعظم شمس الدّين محمّد بن مكّى بحظيرة القدس في تاسع عشر جمادى الاولى سنة ستّ و ثمانين و سبعمائة، و قتل بالسّيف ثمّ صلب ثمّ رجم ثمّ أحرق بالنّار ببلدة دمشق، لعن اللّه الفاعلين لذلك و الراضين به فى دولة بيدمر و سلطنة برقوق بفتوى المالكىّ يسمّى برهان الدّين و عبّاد بن جماعة الشّافعى، و تعصّب جماعة كثيرة فى ذلك بعد أن حبس فى القلعة الدّمشقيّة سنة كاملة، و كان سبب حبسه أن وشى به نقىّ الدّين الجبلىّ أو الخيّامىّ بعد ظهور إمارة الارتداد منه و انّه كان عاملا.
ثمّ بعد وفاة هذا الفاجر قام على طريقه شخص اسمه يوسف بن يحيى و ارتدّ عن مذهب الاماميّة، و كتب محضرا يشنع فيه على الشّيخ شمس الدّين محمّد بن مكى رحمه اللّه بأقاويل شنيعة و معتقدات فضيعة، و انّه كان أفتى بها الشّيخ محمّد بن مكّى و كتب فى ذلك المحضر سبعون نفسا من أهل الجبل، ممن كان يقول بالإماميّة و التّشيّع و ارتدّوا عن ذلك و كتبوا خطوطهم تعصّبا مع ابن يحيى فى هذا الشّأن، و كتب فى هذا ما ينيف على الألف من اهل السّواحل من المتسننين و اثبتوا ذلك عند قاضى بيروت و قيل قاضى صيدا، و اتوا بالمحضر الى القاضى عبّاد بن جماعة لعنه اللّه بدمشق فنفذه الى القاضى المالكىّ و قال له تحكّم فيه بمذهبك و الّا عزلتك، فجمع الملك بيدمر الامراء و القضاة و الشّيوخ لعنهم اللّه جميعا و احضروا الشّيخ محمّد قدّس سرّه بحظيرة القدس و قرا عليه المحضر، فأنكر ذلك و ذكر انّه غير معتقد له مراعيا للتّقية الواجبة، فلم يقبل منه و قيل له قد ثبت ذلك عليك شرعا لا ينتقض حكم القاضى، فقال: الغائب على حجّته فان أتى بما يناقض الحكم جاز نقضه و إلّا فلا، و ها أنا أبطل شهادات من‏



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 13
شهد بالجرح ولي على كلّ واحد حجّة بينة، فلم يسمع ذلك منه و لم يقبل، فقال الشّيخ للقاضى عبّاد بن جماعة: انّى شافعىّ المذهب و أنت الآن إمام هذا المذهب و قاضيه فاحكم فىّ بمذهبك و إنّما قال الشّيخ ذلك لأنّ الشّافعىّ يجوز توبة المرتدّ، فقال ابن جماعة لعنه اللّه: على مذهبى يجب حبسك سنة ثمّ استتابتك، أمّا الحبس فقد حبستك و لكن تب إلى اللّه و استغفر حتّى احكم باسلامك فقال الشّيخ: ما فعلت ما يوجب الاستغفار حتّى استغفر، خوفا من أن يستغفر فيثبت عليه الذّنب، فاستغلظه ابن جماعة و أكّد عليه فأبى عن الاستغفار، فسارّه ساعة ثمّ قال: قد استغفرت فثبت عليك الحقّ، ثمّ قال للمالكى: قد استغفر و الآن ما عاد الحكم إلى عذر أو عناد لأهل البيت عليهم السّلام ثمّ قال: الحكم عاد إلى المالكى فقام المالكىّ لعنه اللّه و توضّأ و صلّى ركعتين ثمّ قال:
قد حكمت باهراق دمه، فألبسوه اللّباس و فعل به ما قلناه من القتل و الصّلب و الرّجم و الإحراق- لعنهم اللّه جميعا الفاعل و الرّاضى و الآمر.
و ممّن تعصّب و ساعد فى إحراقه رجل يقال له محمّد بن التّرمذىّ- لعنه اللّه مع انّه ليس من أهل العلم و أنّما كان فاجرا، فهذه صورة هؤلاء فى تعصّبهم على أهل البيت عليهم السّلام و شيعتهم، و ليس هذا بأفضع ممّا فعل بابن رسول اللّه الحسين بن علىّ عليه السلام و أهل بيته عنادا، و الحمد للّه ربّ العالمين على السرّاء و الضّراء و الشّدة و الرّخاء و ذلك من باب «و ليمحّص اللّه الّذين آمنوا «و ما كتب البلاء إلّا على المؤمنين انتهى كلامه اعلى اللّه مقامه.
و نقل عن خطّ ولد الشّهيد رحمه اللّه على ورقة اجازته المتقدّم إليها الإشارة لابن الخازن الحائرى ما صورته: استشهد والدى الإمام العلّامة كاتب الخطّ الشّريف شمس الدّين أبو عبد اللّه محمّد بن مكّى بن محمّد بن حامد شهيدا حريقا بالنّار يوم الخميس تاسع جمادى الأولى سنة ستّ و ثمانين و سبعمائة، و كلّ ذلك فعل برحبة قلعة دمشق «1».
__________________________________________________
(1) لؤلؤة البحرين 143



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 14
و رأيت فى بعض مؤلّفات صاحب «مقامع الفضل» انّه كتب فى سبب غيظ ابن جماعة الملعون على شيخنا الشّهيد المرحوم على هذا الوجه. انّه جرى يوما بينهما كلام فى بعض المسائل و كانا متقابلين و بين يدي الشّهيد رحمه اللّه دواة كان يكتب بمدادها، و كان ابن جماعة كبير الجثّة جدّا بخلاف الشّهيد فانّه كان صغير البدن فى الغاية، فقال ابن الجماعة فى ضمن المناظرة تحقيرا لجثّة جناب الشّيخ إنّى أجد حسّا من وراء الدّواة و لا أفهم ما يكون معناه. فأجابه الشّيخ من غير تأمّل و قال له: نعم ابن الواحد لا يكون أعظم من هذا، فخجل ابن الجماعة من هذه المقالة كثيرا و امتلأ منه غيظا و حقدا إلى أن فعل به ما فعل.
و أنت فقد عرفت فيما سبق نظير هذه الحكاية واقعة بين القاضى عضد الإيجى شارح المختصر و واحد من علماء الشّيعة يدعى بمولانا پادشاه اليزدىّ البيابانكىّ عن كتاب «مجالس المؤمنين» فليلاحظ.
ثمّ إنّ من جملة المتعرّضين لذكر هذا الرّجل الإمام المستسعد بما عرفته من علوّ المقام هو سمينا العلّامة المجلسى فى مقدّمات «بحار الانوار» حيث قال فيما نقل عنه من الكلام على اعتبار الكتب المذكورة فيها و عدم الاعتبار: و مؤلّفات الشّهيد مشهورة كمؤلّفها العلّامة إلّا كتاب «الاستدراك» فانّى لم أظفر بأصل الكتاب و وجدت أخبارا مأخوذة منه بخط الشّيخ الفاضل محمّد بن علىّ الجبعىّ رحمه اللّه و ذكر انّه نقلها من خطّ الشّهيد رحمه اللّه، و «الدرّة الباهرة» فانّه لم يشتهر اشتهار سائر كتبه مقصور على إيراد كلمات وجيزة مأثورة عن النّبى و كلّ من الأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين.
و قال أيضا فى مقام آخر: و كتاب «الاستدراك» تأليف بعض قدماء الأصحاب، و كتاب «الدرّة الباهرة من الأصداف الطّاهرة» تأليف الشّيخ السّعيد شمس الدين محمّد بن مكّى كما أظنّه، و هو عندى منقولا من خطّه قدّس اللّه روحه.
قلت: و هو الّذي ينقل عنه فى «البحار» بطريق الإرسال عن النبىّ المختار صلّى اللّه عليه و آله الأبرار حديث «ارحموا عزيز قوم ذل و غنّي قوم افتقر و عالما يتلاعب به الجهّال»



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 15
و كذلك ما روى مرسلا عن أبى جعفر الجواد عليه السّلام أنّه قد قال «التفقه ثمن لكل غال و سلّم إلى كلّ عال» و ما روى أيضا عن مولانا الصّادق عليه السّلام أنّه حدث بهذه الثّلاثة الفاخرة من الخصال فقال «من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع، و المعارضة قبل أن يفهم، و الحكم بما لا يعلم» و عن مولانا النّقىّ الهادى عليه السّلام انّه قال «الجهل و البخل أذم الأخلاق و ممن مولانا العسكرىّ عليه السّلام أنّه قال «حسن الصّورة جمال ظاهر و حسن الفعل جمال باطن».
هذا، و من جملة مؤلّفات الرّجل أيضا كتاب مسائله «المقداديات» و هو الّذي ينقل فى كتبنا الاستدلاليّة الفتاوى و الخلافيّات، و كان نسبة تلك المسائل إلى تلميذه الشّيخ مقداد السيورىّ قدّس سره النّورى و منها شرحه على قصيدة الشّيخ أبى الحسن علىّ بن الحسين المشتهر بالشّهفينى العاملىّ فى مدح سيّدنا أمير المؤمنين عليه السّلام مجلسا، و هى من جملة ديوانه الكبير، كما ذكره بعض من هو بذلك خبير، و العجب أنّ صاحب «امل الآمل» مع حرصه على جمع فضلاء جبل عامل كيف غفل عن ذكر مثل هذا الرّجل الجليل الفاضل الكامل، ثمّ كيف جهل بحال هذا الشّرح الحميد المجيد حيث لم يذكره فى جملة مؤلّفات الشّهيد.
و امّا تذكرة أشعاره الرائقة فهى أيضا كثيرة فائقة، منها مضافا إلى ما تقدّمت الإشارة إليه منّا ما نقله صاحب «البحار» عن خطّ محمّد بن علىّ الجباعى حيث ذكر أنّه وجد ما هو بخطّه فى هذه المرحلة هكذا: قال الشّيخ الإمام العلّامة محمّد بن مكّى رحمه اللّه أنشدنى السيّد ابو محمّد عبد اللّه بن محمّد الحسينى أدام اللّه إفضاله و فوائده لابن الجوزى:
أقسمت باللّه و آلائه اليه ألقى بها ربّى‏
أنّ عليّ بن أبى طالب إمام أهل الشّرق و الغرب‏
من لم يكن مذهبه مذهبى فانّه انجس من كلب‏

قال الشّيخ محمّد بن مكّى رحمه اللّه فعارضته تماما له:
لأنّه صنو نبيّ الهدى من سيفه القاطع في الحرب‏




روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 16
و قد وقاه من جميع الرّدى بنفسه في الخصب و الحدب‏
و النّصّ في الذّكر و في إنّما وليّكم كاف لذي لبّ‏
من لم يكن مذهبه هكذا فإنّه أنجس من كلب‏

و منها أيضا فى مناقضة هذين البيتين من اهذارو بعض النواصب أولى الكذب و المين:
قول الرّوافض نحن أطيب مولدا قول جرى بخلاف دين محمّد
نكحوا النّساء تمتّعا فولدن من تلك النّساء فأين طيب المولد

قوله شكر فى ولاية آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله:
إنّ التمتّع سنّة مورودة ورد الكتاب بردّ دين محمّد
لفّ الحرير على الأيور و غمسها في الأمّهات دليل طيب المولد

و منها ايضا برواية السيّد محمّد الحسينى العاملى العينائى فى مجموعته الّتى سمّاها بالاثنى عشريّة فى المواعظ العدديّة قصيدة تشهد بعناية ارتفاع الرّجل فى مراتب الذّوق و العرفان و علوّ كعبه فى علوم الاخلاق و معارف الإيمان مع انّه قد كان من الفقهاء الأركان كما عرفته فى غير مكان و هى:
بالشّوق و الذّوق نالوا عزّة الشرف لا بالدّلوف و لا بالعجب و الصّلف‏
و مذهب القوم أخلاق مطهّرة بها تخلّقت الأجساد فى النّطف‏
صبر و شكر و إيثار و مخمصة و أنفس تقطع الانفاس باللّهف‏
و الزّهد فى كلّ فان لا بقاء له كما مضت سنّة الأخيار في السّلف‏




روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 17
قوم لتصفية الأرواح قد عملوا و أسلموا عرض الأشباح للتّلف‏
ما ضرّهم رثّ أظمار و لا خلق كالدّر حاضره مخلولق الصّلف‏
لا بالتّخلّق بالمعروف تعرفهم و لا التّكلّف في شي‏ء من الكلف‏
يا شقوتي قد تولّت امّة سلفت حتّى تخلّفت في خلف من الخلف‏
ينمقون تزاوير الغرور لنا بالزّور و البهت و البهتان و السّرف‏
ليس التّصوّف عكّازا و مسبحة كلّا و لا الفقر رؤيا ذلك الشّرف‏
و ان تروح و تغدو في مرقّعة و تحتها موبقات الكبر و السّرف‏
و تظهر الزّهد في الدّنيا و أنت على عكوفها كعكوف الكلب و الجيف‏
الفقر سرّ و عنك النّفس تحجبه فارفع حجابك تجلو ظلمة التّلف‏
و فارق الجنس و اقر النّفس في نفس و غب عن الحسّ و اجلب دمعة الأسف‏
و اتلوا المثاني و وحّد إن عزمت على ذكر الحبيب وصف ما شئت و اتّصف‏

الروضات 7/ 2



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 18
و اخضع له و تذلّل إذ دعيت له و اعرف محلّك من آباك و اعترف‏
وقف على عرفات الذّلّ منكسرا و حول كعبة عرفان الصّفا فطف‏
و ادخل إلى خلوة الأفكار مبتكرا و عد إلى حانه الأذكار بالصّحف‏
و إن سقاك مدير الرّاح من يده كأس التّجلّى فخذ بالطّاس و اغترف‏
و اشرب و اسق و لا تبخل على ظما فإن رجعت بلاريّ فوا أسف‏

و منها ايضا برواية سيّدنا الجزائري هذا البيت الّذي يقرأ على وجوه كثيرة جدّا:
لقلبى حبيب مليح ظريف بديع جميل رشيق لطيف‏

و هو على سوق صفة بعضهم لمولانا أمير المؤمنين عليه السّلام بهذه الصورة:
علىّ إمام جليل عظيم فريد شجاع كريم حليم‏

فانّها كما قيل تقرأ بحسب تغيير ألفاظه و ترتيبها على أربعين ألف وجه و ثلاثمائة و عشرين وجها، و توجيه ذلك انّ اللّفظين الأوّلين لهما صورتان، فاذا ضربتا فى مخرج الثّالث صارت ستّة، فاذا ضربت فى مخرج الرابع صارت أربعا و عشرين فاذا ضربت فى مخرج الخامس صارت مائة و عشرين، فاذا ضربت فى مخرج السّادس فسبعمائة و عشرون، فاذا ضربت فى السّابع فخمسة آلاف و أربعون، ثمّ فى مخرج الثّامن تبلغ ما قلناه.
هذا و فى خزائن مولانا المحقّق النّراقى رحمه اللّه أيضا رواية أشعار ظريفة اخرى فى عين هذا المعنى صورتها هكذا:
زكيّ سريّ سنّيّ وفيّ وقيّ بهيّ عليّ خبير




روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 19
سفيع سنيع سميع مطيع ربيع منيع رفيع وقور
شهيد سديد سعيد شديد رشيد حميد فريد هصور
حبيب لبيب حسيب نسيب لديب أريب نجيب ذكور
عظيم عليم حكيم حليم كريم حميم رحيم شكور
جليل جميل كفيل نبيل أتيل اصيل دليل صبّور
خليف شريف لطيف ظريف حصيف منيف عفيف غيور

و قد قال هو أيضا بعد إيراده الأبيات: اعلم إنّ هذه الابيات السّبعة تتفق فى كلّ بيت منها بحسب التّقديم و التّأخير أربعون ألف بيت و ثلاثمائة و عشرون بيتا، و ذلك لأن اللّفظين الأولين لهما صورتان، و هما فى مخرج الثالث ستّة، و هى فى الرّابعة أربعة و عشرون بيتا، و هكذا إلى الآخر، و قد أوضحه الوالد المحقّق العلّامة فى مشكلات العلوم ثمّ لا يخفى أنّ بحسب التّقديم و التّأخير فى جميع الأبيات السّبعة ينتهى إلى ما يتعسّر حصره كما لا يخفى، و من هذا يعلم انّ صور النّكس فى الوضاء مائة و عشرون، و إن اعتبرنا الرّجلين فسبعمائة و عشرون انتهى.
ثمّ ليعلم انّى رأيت بخطّ شيخنا الشّهيد الثّانى رحمه اللّه على ظهر مجموعة من الرّسائل النّفيسة كان جميعا بخطّه الشّريف يقينا رواية منظومة أخرى للشّيخ الشّهيد شمس الدّين بن مكّى رحمه اللّه فى بيدمر لمّا حبسه فى قلعة دمشق بهذه الصورة.
يا أيّها الملك المنصور بيد مر بكم خوارزم و الأقطار تفتخر
إني أراعي لكم في كلّ آونة و ما جنيت لعمري كيف اعتذر
لا تسمعنّ في أقوال الوشاة فقد باءوا بزور و إفك ليس ينحصر
و اللّه و اللّه أيمانا مؤكّدة إنّي برئ من الافك الّذي ذكروا
عقيدتي مخلصا حبّ النبي و من أحبه و صحاب كلّهم غرر
يكفيك في فضل صدّيق و صاحبه فارقة الحقّ في أقواله عمر
جوار أحمد في دنيا و آخرة و آية الغار للألباب تعتبر




روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 20
و الخير عثمان و المنعوت حيدرة و طلحة و زبير فضلهم شهر
سعداهم و ابن عوف ثمّ عاشرهم أبو عبيدة قوم بالتّقى فخروا
الفقه و النّحو و التّفسير يعرفنى ثمّ الأصولان و القرآن و الأثر
فكن كمنجيك بل اللّه أعظمه- و زادك اللّه عزّا ليس ينحصر
أتى إليه رواة السّوء إذ أفكوا فحين حقّق أرداهم بما ذكروا
أمير حاجب نجل العسكريّ له من ذاك خبر فسله يعرف الخبر
و اللّه ما مسّني منه مقابلة بالسّوء كلّا و لا حسرت ما خسروا
لأنّني و آله العرش مفتقر إلى نقير و قطمير له خطر
لا أستغيث من الضراء يعلم ذا ربّى و أستار دار ظل يدّكر
فامنن أميري و مخدومي على رجل و اغنم دعاي سرارا بعد إذ جهروا
في كلّ عام لناحج و كان لنا في خدمة النّجل فى ذي العام مختصر
محمّد شاه سلطان الملوك بقي ممتّعا بحماكم عمره عمر
ثمّ الصّلاة على المختار سيّدنا و الآل و الصّحب طرّا بعده زمر

خدمة المملوك المظلوم و اللّه محمّد بن مكّى الشّامىّ انتهى فاعتبروا يا اولى الأبصار بما تعمله الدّنيا مع عباد اللّه الأبرار و اذكروا هذا الشّهيد المظلوم بما يفرح به روحه الشّريف عند مواليه الأطهار فى بحبوحة جناب تجري تحتها الأنهار.
ثمّ إنّى بعد ما نقلت هذه القصيدة الفزعيّة لحضرته المظلومة الشّهيديّة عن خطّ شيخا الشّهيد الثّانى رحمه اللّه جعلت أتفكّر فى جهة مشروعيّة هذا الأيمان المغلّظة منه على أنّه برئ ممّا اتّهموه به من مذهب الإماميّة و على أنّ عقيدته حبّ النّبى المصطفي و أصحابه و العشرة المبشّرة مع أنّ أكثرهم هالكون باعتقاده، إلي أن اتّفق لى يوما مطالعة كتاب «تبر المذاب فى منقبة الال و الأصحاب» للسيد أحمد بن محمّد الحافى الحسينى الشّافعي فوجدته يقول بعد ذكره الصّحابة و بيان انّ اعتقاده وجوب محبّتهم جميعا و التأسي بهم و ترك اللّعن عليهم كما هو شعار الشّيعة الإماميّة و قد حسن أن أقول:



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 21
عقيدتي مخلصا حبّ النّبي و من أحبّه و صحاب كلّهم غرر

إلى قوله:
أبو عبيدة قوم بالتّقى افتخروا
و مع زيادة قوله:
رضوان ربّى عليهم كلّما طلعت شمس النّهار و ضاء النّجم و القمر

فانكشف لى انّها كانت من اشعار هذا الرّجل الشّافعى دن قدوتنا الشّهيد محمّد بن مكّى كما شهد بذلك ايضا قوله بعد ايراده لتمام هذه الأبيات و قلت ايضا:
محمد و الخلفاء بعد أفضل خلق اللّه فيمن اجد
و من نحن أحمد في أصحابه فخصمه يوم الحساب أحمد
و الشّافعىّ مذهبي مذهبه ه لأنّه في قوله مسدّد

و عليه فالظّاهر انّ الشّهيد رحمه اللّه جعل قوله: «عقيدتى مخلصا» إلى آخر من قبيل بدل الجملة من المفرد أو بالعكس، و ذلك بأن يكون المبدل منه هنا هو الافك الّذي ذكروا، أوفى موضع المفعول من الفعل المذكور، فيصير المعنى انّي و اللّه و اللّه برئ من هذه العقيدة الفاسدة الّتى ذكروها بهذه الكيفيّة المنظومة.
و هذا من جملة لطيف التّدبير و اعمال مثل المعجزة فى مقام التّحبير و لا يمكن الّا بارادة إله خبير او اجادة من ارادة علىّ كبير.
ثمّ ان لنا محمّد بن مكّى آخر يلقّب أيضا بشمس الدّين العاملى الشّامىّ، تقدم ذكره فى جملة أساتيد شيخنا الشّهيد الثّانى فليلاحظ انشاء اللّه.






روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 22
593 الشيخ رضى الدين ابو طالب محمد بن محمد بن مكى بن محمد بن حامد العاملى الجزينى «*»

هو الابن الأكبر و النّجل الأفخر لشيخنا الشّهيد الأوّل المتّصل عنوانه بهذا العنوان عليهما من اللّه الرّحمة و الرّضوان.
و كان كما فى «امل الآمل» عالما فاضلا جليل القدر، يروي عن أبيه الشّهيد المبرور، و عن سميّه السيّد ابن معيّة المشهور، و غيرهما من العلماء الصّدور.
قال صاحب «الأمل» قال الشّهيد الثّانى فى إجازته للشّيخ حسين بن عبد الصّمد العاملىّ، عند ذكره للسيّد تاج الدّين ابن معيّة: و رأيت خطّ هذا السيّد المعظّم بالإجازة لشيخنا الشّهيد شمس الدّين محمّد بن مكّى و لولديه محمّد و علىّ، و لأختهما أمّ الحسن فاطمة المدعوّة بستّ المشايخ انتهى «1».
و المستفاد لنا من تضاعيف كتب السّير و الإجازات انّ شيخنا الشّهيد المرحوم قدّس سرّه خلف أربعة أولاد فضلاء فقهاء موثّقين: أحدهم هذا الرجل الجليل المصطنع لاسمه و خلافته، و هو شيخ رواية الحسن بن العشرة المتقدّم إليه الإشارة فى ذيل ترجمة أحمد بن فهد الحلّى، و ثانيهم الشّيخ ضياء الدّين أبو القاسم، و قيل أبو الحسن علىّ شيخ رواية ابن عمّ أبيه شمس الدّين محمّد بن داود المشتهر بابن المؤذّن الجزينى العاملى الّذى هو ابن بنت الشّيخ أبى القاسم على هى بن صاحب ما نقل عنه الطّائفة من الكتاب الفقهى، و الظّاهر عندى انّ الشّيخ ضياء الدّين هذا كان أفضل من أخيه صاحب التّرجمة من جهة رواية مثل ابن المؤذّن ليعتمد عليه عند الكلّ، المنتظم فى سلسلة أهل هذا البيت عن هذا الرّجل فلا تغفل.
__________________________________________________
(*) له ترجمة فى: امل الامل 1: 179 الفوائد الرضوية 621، المستدرك 3: 431
(1) امل الامل 1: 179- 180



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 23
مضافا إلى انّ صاحب «الأمل» لم يزد فى مقام ترجمة الأوّل على ما نقل عنه فى هذا المحلّ من الثّناء المجمل بخلافه فى ترجمة ضياء الدّين المرقوم، فانّه وصفه فيها بأوصاف الأعاظم من أبناء العلوم، فقال كان فاضلا محقّقا صالحا ورعا جليل القدر ثقة يروى عن أبيه عن بعض مشايخه يروى عنه الشّيخ محمّد بن داود المؤذّن العاملىّ الجزينى.
ثمّ لا يذهب عليك انّ هذا غير الشّيخ نجيب الدّين على بن محمّد بن مكّى العاملى الجميلى «1» ثمّ الجبعىّ الّذى ذكره أيضا صاحب الأمل فقال من بعد التّذكرة له بهذه النّسب: كان عالما فاضلا فقيها محدّثا مدقّقا متكلّما شاعرا أديبا منشئا جليل القدر، قرأ على الشّيخ حسن و السيّد محمّد و الشّيخ بهاء الدّين و غيرهم له «شرح رسالة الاثنى عشريّة» للشّيخ حسن، و جمع ديوان الشّيخ حسن، و له رحلة منظومة لطيفة نحو ألفين و خمسمائة بيت، و له رسالة فى حساب الخطأين و له شعر جيّد، رأيته فى أوائل سنّى قبل البلوغ و لم اقرأ عنده.
يروى عن أبيه عن جدّه عن الشّهيد الثّانى، و يروي عن مشايخه المذكورين و غيرهم، و له إجازة لولده و لجميع معاصريه إلى آخر ما ذكره.
و ذلك لما عرفت من بينونة بلده و لقبه و طبقته كثيرا مع ما نقلناه من كلّ ذلك بالنّسبة إلى ضياء الدّين بن الشّهيد، و من جملة أشعاره الرائقة قوله فى صفة مليحة وامقة.
مدّت حبائلها عيون العين فاحفظ فؤادك يا نجيب الدّين‏
في هجرها الدّنيا تضيع و وصلها فيه إذا وصلت ضياع الدّين‏

و قد عارض هذا المعنى صاحب «الأمل» بقوله:
إنّي لأخضع ان ستطت تلك الجفون الفاترة

__________________________________________________
(1) الجبيلى نسبة الى جبيل بلفظ التصغير بلد جبل لبنان و يحتمل أن يكون نسبة الى بنت جبيل بلد جبل عامل.



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 24
ضاعت بها الدّنيا و أخشى أن تضيع الآخرة

و منها قوله:
لي نفس أشكو إلى اللّه منها هي أصل لكلّ ما أنا فيه‏
فمليح الخصال لا يرتضيني و قبيح الخصال لا أرتضيه‏

و قوله:
كلّ امرئ بين امرئين عن المرام مقصّر
إما امرؤ متوكّل أو آخر متهوّر

و منها مراثيه الفائقة الّتى نظمها فى موت الشّيخ حسن و السيّد محمّد المذكورين كما سوف ينبّه عليها فى ذيل ترجمة المتأخّرين من جنابيهما المبرورين.
و كان هذا الشّيخ هو والد الشّيخ محمّد بن نجيب الدّين علىّ بن محمّد بن مكّى العاملىّ المذكور أيضا بمثل هذه الترجمة فى كتاب «الأمل» مع زيادة قوله:
فاضل صالح معاصر قرأ على أبيه و غيره من مشايخنا.
و ثالثهم الشّيخ جمال الدّين أبو منصور الحسن بن محمّد بن مكّى العاملى الجزّيني الّذى ذكره ايضا صاحب «الأمل» فقال بعد التّرجمة له بهذا الوجه الأجمل: و هو ابن الشّهيد فاضل محقّق فقيه يروى عن أبيه و قد أجاز له و لأخيه رضىّ الدّين أبى طالب محمّد و لأخيه ضياء الدّين أبى القاسم علىّ انتهى.
و رابعهم الإنسان الخاصّ و زبدة الخواصّ و زينة أهل الفضل و الإخلاص بنته المسعودة المخدّرة و المتقدّم إلى ذكرها الإشارة المكرّرة شيخة الشيعة و عيبة العلم الباذخ فاطمة المدعوّة كما عرفته بستّ المشايخ، بمعنى سيّدة رواة الأخبار و رئيسة نقلة الآثار عن السّادة البررة الأطهار عليهم سلام اللّه الملك الغفّار، و قد يقال انّ كنيتها امّ الحسن، و كانت عالمة فاضلة فقيهة عابدة سمعت من المشايخ و أخذت عن أبيها و عن السيّد ابن معيّة اجازة، و كان الشّهيد ثنى عليها و يأمر إليها بالرّجوع إليها في أحكام الحيض و الصّلاة.



روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات، ج‏7، ص: 25
أقول: و نظيرة هذه العالمة العاملة المرضيّة فى طائفة الشّيعة الإماميّة هى سميّتها المعاصرة لها أيضا بل المحدّثة إيّاها ظاهرا فاطمة ابنة السيّد ابن معيّة المذكور حشرها اللّه مع سيّدة النّساء فى يوم النّشور، فانّ الظّاهر انّها أيضا كانت مدعوّة بسيّده المشايخ راوية عن أبيها الرّواية كما فى مكتبات بعض الرّخايخ و لعلّ ثالثتهما العفيفة الصّالحة الفقيهة الفاضلة بنت مولانا المجلسى الأوّل الّتى هى اكبر أخوات مجلسينا الثّانى و زوجة مولانا محمّد صالح المازندرانى الّتى هي والدة الجليل النّبيل المشتهر بالآقا هادى كما قد اشير إلى ذلك فى ذيل ترجمة والدها الفقيه الأوّاه فليراجع إنشاء اللّه.
ثمّ انّ في رياض العلماء عنوانا بخصوصه لرجل آخر من هذه السلسلة مسمّى بالشّيخ خير الدّين بن عبد الرّزاق بن الشّهيد العاملىّ ثمّ الشيرازى مذكور








موسوعة طبقات ‏الفقهاء، ج‏8، ص: 231
2835 الشهيد الاوّل «1»

(734- 786 ه) محمد بن مكي بن محمد بن حامد بن أحمد المطّلبي، المجتهد الامامي العَلَم، شمس الدين أبو عبد الله العاملي الجِزّيني، النبطي الاصل، المعروف بالشهيد الاوّل.



موسوعةطبقات‏الفقهاء، ج‏8، ص: 232
ولد في جزّين (من قرى جبل عامل بلبنان) سنة أربع و ثلاثين و سبعمائة على المشهور، و ورّخ شمس الدين الجزري مولده بعد العشرين و سبعمائة.
و نشأ، و تعلّم ببلدته.
و ارتحل إلى العراق، فكان في مدينة الحلة و هي من مراكز العلم المشهورة يوم ذاك سنة (751 ه)، و أخذ الفقه و الأُصول و الحديث عن كبار المشايخ، كان من أجلّهم: فخر المحققين محمد بن العلّامة الحسن ابن المطهّر الحلّي، و لازمه و انتفع به كثيراً، و عميد الدين عبد المطلب بن محمد ابن الاعرج الحسيني، و أخوه ضياء الدين عبد الله ابن الاعرج، و تاج الدين محمد بن القاسم ابن مُعيّة الحسني.
كما أخذ و روى عن طائفة، منهم: جلال الدين أبو محمد الحسن بن أحمد ابن نجيب الدين محمد ابن نما الحلّي، و شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن أبي المعالي الموسوي، و أبو الحسن علي بن أحمد بن طراد المطارآبادي، و رضي الدين أبو الحسن علي بن أحمد المزيدي، و أحمد بن محمد بن إبراهيم ابن زُهرة الحلبي، و علي بن محمد بن الحسن ابن زُهرة الحلبي، و مهنا بن سنان بن عبد الوهاب الحسيني المدني.
و يظهر أنّه أقام بالحلّة إلى سنة (757 ه ( «1» و أتقن الفقه و غيره، و أقرأ، و صنّف فيها بعض تصانيفه، و سمع ببغداد سنة (758 ه)، وقد زار خلال تواجده بالحلّة كربلاء و المدينة المنورة.
و عاد إلى بلدته جزّين، و أسس بها مدرسة، و نشر علمه بها.
و استفاد بدمشق من قطب الدين محمد بن محمد الرازي، المتكلّم تلميذ العلّامة الحلّي، و حصل منه على إجازة في سنة (766 ه).



موسوعةطبقات‏الفقهاء، ج‏8، ص: 233
و جاب عدة بلدان مثل مكة و المدينة و بغداد و دمشق و فلسطين، و أخذ بها عن نحو أربعين شيخاً من علماء السنّة، و روى عنهم صحاحهم و كثيراً من مصنفاتهم، و من هؤلاء: شمس الدين محمد بن يوسف القرشي الكرماني البغدادي الشافعي، و شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الحسن الحنفي النحوي، و شرف الدين محمد بن بكتاش التستري البغدادي الشافعي، و قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم ابن جماعة الدمشقي المصري، و شمس الدين محمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي القارىَ الحافظ، و القاضي إبراهيم بن عبد الرحيم ابن جماعة الشافعي، و شمس الدين أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن البغدادي المالكي، و عبد الصمد بن إبراهيم بن الخليل شيخ دار الحديث ببغداد.
و كان الشهيد علّامة في الفقه، محيطاً بدقائقه، عالماً بالاصول، محدّثاً، أديباً، شاعراً، ذا ذهن سيّال، و عقلية متفتحة، و نظر ثاقب.
و لا يُجدب الافكارَ مثلُ تعسُّف و لا يُخصبُ الافكارَ مثلُ التفتُّحِ «1»

و هو ممن ترك آثاراً واضحة على الفقه الشيعي تجديداً و تطويراً و تنقيحاً.
قال فخر المحققين في حق تلميذه المترجم: الامام العلّامة الاعظم، أفضل علماء العالَم.
و قال شمس الدين الكرماني «2» الشافعي في إجازته له: إمام الأَئمّة، صاحب الفضلين، مجمع المناقب و الكمالات الفاخرة، جامع علوم الدنيا و الآخرة.



موسوعةطبقات‏الفقهاء، ج‏8، ص: 234
و قال شمس الدين أبو الخير الجَزري الشافعي في وصفه: شيخ الشيعة و المجتهد في مذهبهم، و هو إمام في الفقه و النحو و القراءة، صحبني مدة مديدة، فلم أسمع منه ما يخالف السنّة.
و قال عنه نور الدين الكركي «1» شيخنا الامام، شيخ الإسلام، علّامة المتقدمين، و ئيس المتأخرين، حلّال المشكلات، و كشّاف المعضلات، صاحب التحقيقات الفائقة، و التدقيقات الرائقة، حبر العلماء، و علم الفقهاء.
و كان الشهيد يقيم مدداً غير قصيرة في دمشق، فاتسعت شهرته، و عظُمت مكانته في النفوس، فالتفوا حوله، و أخذوا عنه و تفقّهوا به، و حضر مجلسه العلماء من مختلف المذاهب، و سعى في نشر التشيّع في جو من التآلف، و نبذ الخلافات، و جدّ في التحريض و الردّ على أهل البدع (أمثال محمد اليالوش و أتباعه).
و كانت له علاقات وثيقة و مراسلات مع ملك خراسان علي «2» بن المؤيد، يرجع تاريخها إلى أيام إقامته في العراق.
و في السنوات الاخيرة من عمر الشهيد كتب إليه الملك المذكور رسالة التمس فيها منه التوجه إلى بلاده ليكون مرجعاً للخراسانيين، فأبى و اعتذر له، ثم صنّف له في مدة سبعة أيام كتاب «اللمعة الدمشقية في فقه الامامية» و بعث بها إليه.
و ثقُل أمر الشهيد على خصومة (من المتعصّبين و المبتدعين و النفعيّين) فتقرّر