رفتن به محتوای اصلی

عصر ومصر. وقد نقل ابن السَّرَّاج قصة عن شيخه البدر بن جماعة، حكى فيها أنه كان في شبابه يؤذى من أناس عملوا على إبعاده عن دمشق(1).
استمع إلى كلامه الذي يحكي فيه خبر تأليفه كتابه (الالتماس): «وهذا الكتاب ألّفناه بدمشق حرسها الله تعالى، أوائل سنة سبع وتسعين وستمئة قبل تاريخ المحنة(1) بما يقارب عامين، وكان من أسباب تأليفنا لهذا الكتاب أن بعض المشايخ الراسخين أخبرنا بدنو فراق دمشق، فاقتضت المصلحة تأليفه لإعلامه لنا، وتحقّقنا من جهته العالية، وإشارته السامية، أن الخروج يكون إلى المناصب القاصية، والبقاع النائية، التي لا تصلح لصغرها لتلميذ يحتاج أن يشتغل علينا عشرين سنة، قولاً جزماً لا مبالغة(1) !!.
وذلك لسلوكنا طريقة وسلوك معاصرينا طريقة، ولذلك كنا بينهم عدة سنين، ولم نزاحمهم على المناصب، طلباً للسلامة في الدارين. مع أن الجهات الدينية لم تجعل إلا شبكة لحصول مثلنا، ومع ذلك يقدم الجهال علينا، ولكنّا بحمد الله تعالى موعودون من الجهة الصادقة بالتمكين المغبوط، والناموس المضبوط، المتكفل بأضعاف الرضا، الجابر بأقله كل كسر مضى، وإنما نحن وأمثالنا مما هو من حجج الله على عباده.
ومن فوائد هذا التأليف؛ أنَّا التمسنا فيه كتابة رؤساء العلماء، وكبراء الفضلاء بالأهلية للتدريسوالإعادة واستحقاق التصدير بجامع دمشق للاشتغال والإفادة
وكان التصدير قبله واقعاً بسنين عديدة تبرعاً، إذ لا نحتاج توجهاً ولا تجوّهاً(1)، وإنما لتكون كتابتهم حج،ة وعضداً ظاهراً لما نبديه في بلاد نسكنها، ونهدي له ونرشد إلى سبيله، من طريق صلاح الدارين.
(1/32)



************
وأن يُعرف لنا ذلك إذ لا بدَّ منه عقلاً ونقلاً، فكتبوا وأحسنوا وابتدأهم شيخنا جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن واصل الشافعي قاضي القضاة بحماة المحروسة،وختمهم شيخنا نجم الدين أبو العباس أحمدبن محسن بن ملي الأنصاري الشافعي مفيد حلب المحروسة أخيراً بعد دمشق المحروسة وناهيك بهما إمامين عظيمين، وإن لم يعرف قدرهما كثير من الخلق..»(1).
ونجد في مقدمة كتابه هذه العبارات: «... وبلغ فينا الحسود آماله، ونال منا العنيد مناله، وظنوا في أنفسهم أنا خسرنا وهم وقد ربحوا، ولم يعلموا أنا بحمد الله قد أفلحنا وهم لم يفلحوا..»(1).
وفي موضع آخر: «.. لم نزاحمهم على المناصب العلمية في الدنيا وإن كنا أقدر(..)(1)،ولاتغتر بشهرتهم دوننا،ولابرفعة مرتبتهم الدنياوية..»(1)
وعند حديثه عن دخول المغول بلاد الشام وكان حينئذ بحلب سنة700هـ سجّل أمراً مهماً في سيرته إذ وصف خروجه من دمشق وكونه بحلب بأنها: «لأسباب وتعصبات من أعداء الدين المدعين أنهم علماء وفضلاء، طهّر الله الأرض منهم» ولما جاء إلى ذكر تولّيه قضاء بهسنى وصف توليه لها بأنه كان «من عجائب الزمان واختلال الأركان بحيث إن قبح ذلك لايوصف أبداً..».
وقال في عرض حديثه عن مساوىء الغيبة والنميمة: «... ولكن قد ابتلي بهما أهل زماننا، ولم يبق يمكن تخلصهم منهما إلا أن يشاء الله. ومما أوجب انفصالنا عن دمشق حرسها الله تعالى، إلى بلاد الأطراف بعد قضاء الله تعالى الغيبة والنميمة المشار إليهما، واستقباحنا لهما، ونفرتنا منهما ومن أهلها، وتجنبنا ذلك ومثله.
على أن أكثر من رَأينا لا يتهيأ لهم مصلحة إلا بهما وبأمثالهما، وبذلك يروج محالهم ويتقوم حالهم، ونحن نسأل الله تعالى لطفه وهدايته، وإرشاده وحمايته، وحفظه وصيانته، لنا ولسائر المسلمين آمين»(1).
(1/33)



************
وقال ناصحاً قرّاءه من الصوفية: «... ولا تغتر بمن يخالفه فهم الجاهلون، وإن كانوا قد شاركوا في بعض أبواب الفقه أو غيره، ولقد ثلب أعراضنا جماعة منهم وبالغوا في إيذائنا بجهالاتهم القبيحة بسبب جهرنا بالذكر(1)، والاعتناء بمحافله والإكثار من مجالسه»، حتى قال: «فيا حسرة على الجهلة ما أخسر صفقتهم المغبونة، وما أفحش ضلالتهم الملعونة. عافانا الله وسائر إخواننا المؤمنين من بلائهم المبين»(1).
وشاهد ما ذهبت إليه من أنه أُبعد عن دمشق من قبل بعض أمراء المماليك وبعض خصومه، ما ذكره عند كلامه عن خصم له لم يسمّه أكبر الظن أنه شيخ الإسلام ابن تيمية، كان يرد كرامات أوليائه المزيّفين على أنها من علم السيمياء (السحر)، قال: «.. أو يقول إن ذلك من فعل الشياطين، كما قد اشتهر عن بعض الفقهاء في زماننا بحيث لم يبق لأحد عقيدة في الصالحين، ولا حسن ظن في المؤمنين، وقد أتيت بما يقوله، وحقّق أن أولياء الإسلام كذّابون زغبلة أو مغرورون شيطانية.
وليس أحد من العلماء يرى أن يقيم نفسه في مقابلته لما قد اشتهر عنه من كثرة المناوآت، وما تحقق عنده من حب المماراة، وقد ارتبط عليه خلق كثير من العوام، وصار له جاه ظاهر عند جماعة من ذوي الأحكام، فمن ناوأه أتعبوه،ومن عارضه أعانوه، جاه الحق ضعيف وقَدُّ الحق سخيف، والوقت يقتضي ظهور ما يجب ستره، وإقامة ما يتعيَّن كسره، ولا قوة إلا بالله»(1).
وحكى أن أميراً مملوكياً كان يناقش الرفاعية بقرية (قَطَنَا) ويقول: «هؤلاء يَدَّعون الحكم على النار، وأنا لا أصدقهم، وأنا على مذهب فلان ـ العالم المعروف ـ الذي لم يبغ منكراً على الأولياء وغيرهم..»(1).
(1/34)



************
وقد علمنا من المصادر التي ترجمت لشيخ الإسلام أن بعض أمراء المماليك كانوا يحبونه ويعظمونه، بل إن السلطان الناصر (ت741هـ) كان يحترمه ويعزه. وتأمل قوله الذي ذكر فيه رواج مصنفاته رحمه الله عند السوقة والسلاطين. وذلك عند حديثه عن أوليائه أيضاً: «... وذلك عكس ما يقوله بعض علماء زماننا إذ قد جعل هؤلاء وأمثالهم من الشياطين، وأكثر في ذلك مصنفات متنوعة راجت عند السوقة والسلاطين، فأقل ما يقول: إني لم أقدح إلا من كان على غير الكتاب والسنة فيُصغي السامع إلى قوله ثم يشرع فيقدح الكل ويتعدى إلى المشايخ الكبار الذين وقع الاتفاق على ولايتهم، وصاروا ربانيين هذه الأمة، وإذا حاققه شخص أخرج لهم ذنباً، واخترع لهم خطأ ليخرجهم عن الكتاب والسنة»(1).
وغني عن القول إن هذا كذب عظيم على شيخ الإسلام فما كان لينقد من الأكابر إلا من أخطأ وهل كانوا معصومين ؟
أما العامة الذين أشار إليهم من محبي شيخ الإسلام، فيقول فيهم في موضع آخر: «... كفانا الله أمرهم، وردَّ عليهم شرّهم. ولقد ابتُلينا بهم كثيراً،ولقينا من جهلتهم وبالاً كثيراً،ونحن إلى الآن (سنة715هـ) لم نخلص من تعدّياتهم، ولم نسْلم من فساد أذهانهم، وغالبهم اليوم ممن يدعي الفقر والسلوك ويحل نفسه في طريقهم محل الملوك..»، ثم دعا عليهم(1).
وقال بعد سرده لكرامات أشياخه التي تخالف العقل والدين: «... واعلم أنه لا موجب لإنكار الحقائق وإهدار المعارف غالباً في هذا العالم إلا كلام من لا يعلم كما قال من قبلنا: لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.
(1/35)



************
وهؤلاء الذين يكونون على هذه الصفة هم أعداء الحق، وهم موجودون في كل ملّة ومذهب، يجْنون على إخوانهم وعشرائهم ورفقائهم كل جناية أعظم من أختها، ثم إن القوم المجاورين لهم والمناسبين والمصاحبين يعظم عليهم صنيعهم، ويتبرّمون من أفعالهم وأقوالهم لكن في الغالب يحصل النشب ويعز الخلاص، فتلزمهم مساوئهم وتلصق بهم عللهم ولا يستطيعون فكاكاً، فتنسب تلك الأمور إلى القوم وهم لها كارهون..»(1).
ويُفهم أن ابن السَّرَّاج كان يتابع أخبار أبي العباس رحمه الله، ويطلب مصنّفاته وفتاواه، يُفهم ذلك من غير ما موضع من كلامه، من ذلك قوله: «.. لا كالذي يأخذ الأشياء بالعنف والغلظة وعدم الرفق، وكثرة الشقشقة واللقلقة ودعوى التمعلم (كذا) والتحذيق، والفوز بالدرجة العليا، والتقدم على السابقين، والرد على الأئمة السابقين، بغير خبرة ولا دراية تصلح للعارفين، مثل من أنكر على مشهد الحسين، والست نفيسة رضي الله عنهما بالديار المصرية، فلا يلتفت أحد إليه، وكان الصواب معهم...»(1).
وأكثر ما يلفت انتباه المتأمل في (التشويق) و(التفاح) كثرة الجمل الدعائية بالهلاك على شخص لا يسمى في أكثر الأحوال، وعلى أتباعه، والمقصود هو: ابن تيمية وتلاميذه، كما يتضح بأقل تأمل، فعند كلامه على الغزالي، والفخر الرازي، قال:«... فليمت كمداً ضدهما وشانئهما بالرغم والهوان، والذل والخسران، فليس هو من أهل الإمكان ولا الإيمان»(1).
(1/36)



************
وقال تعليقاً على حكاية من حكايات أوليائه: «... وكم لمثل هذه الحكاية من مثل وهم يسمعون ولا يرجعون ويكابرون، وفي المتفقهة وبعض الفضلاء الظاهرية اليوم من قد أعجبته نفسه، وغرته معرفته ببعض(...)(1) فاستهان الأمر، وتعرض لقدح هذه الطائفة الإإإهية وصرح به في وقت، وكله حسد نفساني، ونظر حرماني، والوقت يقتضي ذلك لرذالته وفحش أحواله، فاختفى الفقراء المحققون فيه غالباً، وتسلط عليهم من جهلهم، فأصبح لهم ثالباً، ولِما لا يليق بهم إليهم ناسباً، ولشقاوته بعداوتهم كاسباً. تباً له ولأمثاله، والله يباعد بيننا وبين أشكاله آمين»(1).
وقال: «... ولا تغتر بمن يذكر ذلك ومثله، ويجعله من أفعال الشيطان، فإنه شخص قد الْتبس عليه الأمر، واعتقد أنه ناصح لهذه الأمة، وأنه يزيل عنها كل ما يجب إزالته، ويقرر لها كل ما يمكن تقريره، وهو ـ بالله العظيم ـ معكوس في طريقه، ممكور به قد أضل الخلق حسب طاقته، وفرق كلمتهم حسب قدرته، ولقد عظم ضرره، وتطاير لمن خالفه شرره.
فيا أسفا عليه وعلى أمثاله كيف ضاعت أعمارهم، وخابت مساعيهم، ووضعوا الشيء في غير موضعه، وهلكوا وأهلكوا، ولم يبق للموعظة فيهم مجال، ولا للنصح عندهم محل، إنا لله وإنا إليه راجعون»(1).
وقال تعليقاً على (كرامة) من (كرامات) يوسف القميني: «... ونقول إن مثل هذه الواقعة الغريبة لو جرت عند الكفرة والضُّلاّل من الخلق، لآمنوا بها، واعتقدوا الولاية في الفاعل لذلك وأكرموه وبجلوه ورفعوه، ويكون في بلاد الإسلام أصحاب الدين القيم من يدّعي العلم بيد القطبية، في العلوم الشرعية والعقلية وغيرها، ثم ينكر ذلك ويقول: إنه من المنكرات وإن فاعله ليس بشيء أصلاً.
(1/37)



************
وكان في أيامنا من يشبهه (أي يوسف القميني) في ذلك، ومنهم شخص يقال له: الشيخ إبراهيم المُوَلّه وله أحوال عظيمة، وكرامات ظاهرة، فلا برح إلى أن أهانه وضربه، ومن لزم ذلك الرجل لم يؤاخذه ظاهراً، وحصل عند المؤمنين من ذلك أذى عظيماً، وبالله قد عاب علينا مخالفوا ديننا،ويحق لهم ذلك ولا قوة إلا بالله»(1).
وهذا القلندري الذي ذكره أورده ابن كثير رحمه الله تعالى في تاريخه فقال: «إبراهيم الموله (ت725هـ) الذي يقال له القميني لإقامته بالقمامين..، وربما كاشف بعض العوام، ومع هذا لم يكن من أهل الصلاة وقد استتابه الشيخ تقي الدين بن تيمية وضربه على ترك الصلوات، ومخالطة القاذورات وجمع النساء والرجال حوله في الأماكن النجسة»(1).
وقال ابن السَّرّاج: «... وقد نبغ في زماننا من يدّعي العلم والفضيلة، ونصب نفسه لقدحهم ووصفهم بكل قبيحة ورذيلة، وجعل ما ينقل عنهم من هذه الفضائل أو يروى من محاسنهم مما يتمناه كل سائل إما خيالاً شيطانياً أو محالاً بهتانياً.
هكذا قال بقلمه ولسانه، ثم إنه أولاً كان يشيع بأن ذلك يقوله في قوم لا يتبعون الكتاب والسنة، ثم إنه جعل الجميع على غير الكتاب والسنة، وأخذ هذه الكلمة العظيمة، وجعلها ترساً يهول بها على الخلق، فمن سمع ذلك قال: معذور !!
ولم يعلموا أنه ينسبهم إلى الباطل بزعمه، وأخرجهم عن الحق ببغيه. وكيف لا يكون كما قلناه من جُملة قدحه الشبلي (ت334هـ) ومن والاه. طهّر الله الأرض من أمثاله وأراح العباد والبلاد من فساد أمثاله آمين»(1).
(1/38)



************
وقال عدوّ نفسه: «... ولقد أحسن الشيخ الحافظ أبو نعيم الأصفهاني (ت430هـ) ـ رحمة الله عليه ـ وذكر في كتابه (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) من ذلك شيئاً كثيراً ليس كغيره من هؤلاء النابغين (...)(1) في زماننا المدّعين قطبية العِلْم بل العَالَم، ممن قد أعجبته نفسه الخسيسة حتى قدح علماء الأمة، وخطّأ خلاصة الأئمة، قال عن هذا الحافظ أبي نعيم وأمثاله: إنه لسذوجتهم، وحسن ظنّهم، وقلّة علمهم، وعدم تمكّنهم، غلب عليهم حب شيء فأطنبوا في وصفه بغير تدبر.
ولما كان ممن سبقه بالفضائل؛ مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) صاحب المسند الصحيح رحمة الله عليه قال:وهل كان إلا رجلاً محدّثاً. إلى غير ذلك مما لا يوصف ولا يحكى. أدرك الله الإسلام بلطفه وعجّل لهم الخلاص من مثل هذا القائل، وزيغه وفحشه وحيفه آمين»(1).
قلت: شيخ الإسلام أعلم بأقدار الرجال من هذا الرفاعي التائه، وهو يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.
أما أشعريته التي زادت من اضّغانه وحقده وكذبه فظاهرة عند حديثه عن الصفات الإإإهية الواردة في الكتاب والسنة، فقد جرى على طريقة الخلف من إنكار المعاني الظاهرة وحملها على المجاز، ثم قال: «.. ولقد تاه في ذلك خلق كثير، وأضاعوا الزمان فيما لا يفيد، وفرّقوا كلمة المسلمين، وشعثوا سبيل المؤمنين، وادّعى كل منهم العلم والفضل والمزيّة، والتفرّد بالدرجة الفائقة، والرتبة العليّة.
والصواب العدول عن سبيلهم، والتبرؤ من قبيلهم، وخاصة من أشاع مثل ذلك بين العوام، وتلا متشابه سوره على من عساه لا يفهم مراد عشيره من واضح الكلام، وهو يعلم أن ذلك لا يصلح إلا لذوي النهى والأحلام، وكل خبير ناقد من الأعلام.
(1/39)



************
ولقد كنت متوقفاً في بعض أحوال شخص من أقراني، يعاود البحث في ذلك ويعاني، ويزيد عن الحد، ويجعل الولد اللاحق سابقاً على الجد، مع أنه عالم فاضل، سابق ناضل، فيه دين وتقوى، وبه يعتضد العلم ويقوى، وعنده دربة وتمهيد، ولديه تثقيف وتسديد، ولكنه قد أولع بالخلاف المخلّ، وأغري بالمقال الممل، وقارب بمعكوس تدبره سلوك الطريق المضل.
إلى أن رأيت في المنام بدمشق حرسها الله، أوائل سنة (704هـ) أن أخي في السِّنِّ وخدمة العلم الشيخ الإمام العلامة كمال الدين أبي عبد اللهمحمد بن الشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن الزملكي الأنصاري الدمشقي الشافعي (ت727هـ)(1) أيّده الله تعالى قد جاء إلى منزلي، وقال: أُمرت أن آتيك وأدعو الله أنا وأنت، فدعونا واتّفق حصول طيب لا يمكن وصفه ثم سألته فقال: استأذنت الله تعالى في أن أمضي إلى فلان يعني الشخص المشار إليه(1) وأدعو الله أنا وإياه فلم يأذن لي، وقال: إني لست معه ولا عنده ولكن امض إلى فلان ـ يعني العبد الضعيف ـ فإني معه وعنده.
فقلت: هل ذكر لك علة المنع ؟ فقال: قال لي عنه إن ذلك من أجل اعتقاد يعتقده. فعند ذلك علمت أن ذلك الشخص مغرور.
ولقد آلم قلبي ذلك !! ووددتُ نصحه وإعلامه، لكن تحققت أنه لا يفيد فيه القول، بل يحمله على المبالغة في الأذى والتحيل على قلب الرؤيا وردها على الناصح، وجعلها من تلبيس إبليس، إلى غير ذلك مما يشوِّش الباطن والظاهر، ويعكس الأوّل والآخر، كعادة أمثاله ممن قد أعجبته نفسه، وفسد حاله..»(1).
وقال في سياق حديثه عن السماع والتواجد: «... وأما في زماننا هذا، فقد رأينا في أيام الجمع وغيرها من يظهر عليه وجد، أو يبدو منه صياح ونحوه في حال الخطبة، أو عند سماع قرآن، أو ذكر، أو غير ذلك، فيبادر إليه المنكرون ويؤذونه، وربما شتموه ولعنوه، ورأيت بعض الفضلاء الظاهريين، يقوم إليه ويعرك أذنيه، ويقرأ قوله تعالى: {آآآ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ااا تَفْتَرُونَ}(1).
(1/40)



************
ثم قال: «.. فإن قلت: هل رأيت من تأثير فعل هؤلاء وأفكارهم ما ليس بالمنكر شيئاً ؟ قلت: نعم، رأيت من تبعهم في ذلك من جهلة العامة والمتفقّهة والمتفقّرة، ورأيت من بعض أتباعهم أمراء، ونوّاب قلاع حصينة معدودة مذكورة مشهورة، لهم صيت وصَوْلة عظيمة، وزادوا في شنيع الاتباع الذي وافق اعتقاداتهم الرذيلة، وطبائعهم الكفرية، بحيث لم يبق في البلاد التي يحكمون عليها صالح يتجاسر أن يمكن حالاً يطرأ له من ظهور أصلاً، لا عند سماع الخطبة، ولا عند سماع القرآن، ولا الذكر، ولا التسبيح في الأسحار، بل صار كل منهم إما أن يبتعد من ذلك، وإما أن يتقرب ويتمغص بحاله إلى أن يكاد يهلك.
واشتهر ذلك وتفاحش عدة من السنين، اتباعاً لبعض المنكرين من الفضلاء الظاهرية بدمشق،لكونه وافق طبعه الرديء، وقلبه الدنيء، ودينه الفرعوني، حتى إنه لم يبق أحد يقدر أن يسلك سبيل معروف أصلاً، لئلا يُحضره ويستهزىء به أو بمن علّمه، ثم يهينه ويتهدّده ويستتيبه عن الخير جملة. هذا مع ظهور المنكرات في بلده، وتفاحشها والإصرار عليها، والإقبال بكل وجه إليها(1).
وكذلك أيضاً تسلّطوا على الفقراء بأجمعهم(1) وآذوهم وضربوهم ونفوهم وأبعدوهم وأوعدوهم، وحرموا الإحسان إليهم جملة كافية، وأولوهم من بلاياهم أقساماً وافية، وربما أن العبد الضعيف فاوض بعض هؤلاء المقتدين، وذكر له ما جاء في اتباع سبل المعتدين.
فكان الجواب: إنّ كُتب الفاضل الفلاني(1) جاءتنا من دمشق، ومما تضمنت أن أكثر هؤلاء الفقراء اليوم زنادقة يحل قتلهم بالأصالة(1)، فتعب العبد الضعيف كثيراً، إلى أن أزال من ذهنه الشيطاني ذلك أو بعضه، وعرف السامع تعصب ذلك الفاضل وبغضه، وغور قوله وعوره، ونقصه ونقضه، وطول بلاء معتقده وعرضه.
(1/41)



************
فأي فتنة أبلغ من ذلك في الدين،وأي فرصة أشهى منه إلى قلوب المفسدين،فالله تعالى ينظر إلى الإسلام بعينه المتعالية عن المنام، ويريحهم من ذلك وأمثاله الذين قد انثلم الدين بتمعلمهم(كذا) أقبح انثلام، وهم يعتقدون أنهم من أعوانه وأن كلاً منهم بما يعتمده يحقق أمانة إيمانه،تعالى الله عن ذلك أن يكون كذلك بل هم المفسدون المفرقون والمارقون الممزقون..»(1).
وقال بعد كلام طويل عن الرفاعي وكون قبره يُقصد بالزيارة ونيل البركة: «.. وإن أنكر ذلك بعض المدّعين علماً وفضلاً، واستدلّ بظواهر، واعتضد بنقول، فليس بشيء عند التحقيق في ذلك جميعه(!!) وفيه بحث كثير وكلام طويل.
والذي عليه العمل الآن، وقد قال به أئمة الأمصار: الجواز والاستحباب (!!)،فثق بما نقوله ولا تغتر بمخالفته،فليس هو في مخالفته سائر مع الحق، ولا قاصد إلى الصدق، حقّقنا ذلك كشفاً (!!) وعلماً، وأوثقناه حكمة وحكماً»(1).
ولذلك نراه يذكر زياراته لقبور أوليائه، من ذلك أنه زار تربة أحدهم (بكفر طشة) قرب البيرة وقال: «.. ولنا إليها ترداد، وسهرنا فيها ليالي بالذكر والفكر، ولنا منه نصيب وافر في الباطن، وبإحسانه وفضله»، وقال عن تربة أخرى: «ولنا إليها تردد بحمد الله»(1).
(1/42)



************
واتَّهم ابنُ السَّرَّاج شيخَ الإسلام بأنه مثير للخلاف إلى آخر ما هنالك من افتراء مكرر في ثنايا الكتاب،ففي مقدمة (التشويق) يقول: «إنه كثرت الإشارات الباطنة (!!) إلينا في تأليف هذا الكتاب،على ما هو عليه من تقريع المتمعلمين والمتحذلقين(كذا)،واستهجان المتقولين،واستقصاء الحاسدين والحاقدين». ثم وصف ابن تيمية وأصحابه قائلاً: «.. وسبب قولنا في ذلك ومثله؛ أنه قد ظهر في زماننا أقوام قد أغروا بمهلك الخلاف، وسلّوا سيف الفتن من مُحكم الغلاف، وأوسعوا الحيل في تفريق الائتلاف، وبذلوا الجهد في موجب تحقيق التلاف، وأطالوا في إفساد العقائد كلاماً كثيراً وارتكبوا في هدِّ القواعد إثماً كبيراً، ورضوا لأنفسهم تكرار الإهانات سنين عديدة، ولم ينالوا بتوالي العتابات...» ثم حكى أحلاماً تحلَّمها من هم على شاكلته في ذمّ أبي العباس ـ قدس الله روحه ـ ومنهجه وفتاواه(1).
أما قوله: إن الإشارات الباطنة كثرت إليه في تأليف كتابه (التشويق) على ما هو عليه... إلخ، فقد دلّنا كيف تكون الإشارة بذلك عنده، ومنها نفهم كيف يفكر الصوفي قال: «.. ولقد وقع للعبد الضعيف مصنّف هذا الكتاب ـ عفا الله عنه ـ من ذلك شيء كثير، وأضمرت في نفسي عزماً على ما سأفعله من عقد مجلس ذكر أو غيره من أبواب الخير، فأرسل الله تعالى من خاطبني بذلك على ما هو مضمر في نفسي، فأعلمُ وأتحقق أنه مخاطبة معلمة باستحسان ذلك، ومشيرة بفعله، ومرغبة في اصطناعه، وهذا الذي نقوله يعرفه من له ذوق»(1).
قلت: إذن فالمسكين يعدّ وسوسة شيطانه وطلب رفاعية دمشق وقلندرية الأرجاء تأليف كتابه ذاك إشارة تستحسن عزمه الرد على شيخ الإسلام، وكان قد قال في أوائل كتابه:«..ولم نقل شيئاً ولم نؤلف كتباً إلا بإشارة مقبولة»(1)
(1/43)



************
وقد روى ابن السَّرَّاج(ت694هـ) حادثة عساف وكاتبه النصراني التي جرت سنة693هـ ويبدو أنه كان بدمشق يومئذ فقد ذكر بعض التفاصيل التي تهم المؤرخين، بيد أني توقفت عند تعبير استخدمه في كلامه يستنتج منه غيظه على ابن تيمية رحمه الله. قال ـ والقصة عند ابن كثير(1) وغيره ـ: «وأفضى ذلك إلى أن نائب السلطنة الشريفة ملك الأمراء عز الدين أيبك الحموي (ت703هـ) ضرب الشيخ زين الدين الفارقي ضرباً عظيماً، وضرب الشيخ تقي الدين بن تيمية أقل منه، ظلماً وعدواناً..»(1).
فإن كلمة: «أقل منه» تُظهر خبء شعور ابن السَّرَّاج تجاه ابن تيمية في هذه الواقعة أيضاً، وكان ابن السَّرَّاج يعظّم الفارقي لأسباب، منها قول الفارقي في الفقراء؛ أصحاب ابن السَّرَّاج: «.. أعطيت من الله أن مهما ورد عن الفقراء رضي الله عنهم مما تستنكره الضعفاء أستخرج له وجهاً، وأقيم عليه دليلاً وأحل عويصه!!»(1).
كان ابن السَّرَّاج بدمشق سنة704هـ ويحتمل أنه بقي بها إلى سنة705هـ، وحضر المناظرة الكبرى بين شيخ الإسلام ابن تيمية والرفاعية ومن كان معهم من ضروب القلندرية، وقد نقل كلاماً لأبي العباس كأنه سمعه منه حينئذ قال: «.. ثم إنه قال: وإنه يكون بأرض الهند ضرب من الزط يفعلون هذا، وهؤلاء المتولهون والمنتسبون إلى بعض الشيوخ إذا حصل لهم وجد سماعي، كسماع المكاء والتصدية، فمنهم من يصعد في الهواء، ويقف على زج رمح، ويدخل في النار، ويأخذ الحديد المحمى ويضعه على بدنه، ولا يحصل له هذا الحال عند الصلاة ولا عند الذكر، ولا قراءة القرآن، لأن هذه عبادات شرعية إيمانية إسلامية محمدية تطرد الشياطين، وتلك عبادات بدعية شركية شيطانية فلسفية تستجلب الشياطين، (قال ابن السَّرَّاج) إلى كلام طويل يكفي منه هذا الذي حكيناه».
(1/44)



************
وكان قد نقل قبل ذلك (كرامة) قلندري رفاعي يقال له:محمد الرصافي، وكان من أمره: أنه كان يظهر شرب الرصاص المذوّب، ويتمرّغ في النار، ويأخذ ورقة بيضاء أو غير بيضاء ـ كما يروي ابن السَّرَّاج ـ فيضعها في كفه ثم يقرأ عليها فتخرج درهماً فضة صافية، ثم يريهم إياه، ثم يفركه أخرى فيخرج مسكوكاً بسكة الوقت الحاضر.
وقال: «.. فإن قال ضدٍّ لشدة بغضه، وشنيع تعصبه: لم أسمع بهذه الأحوال،ولا أظنها صحيحة فقل:ارجع إلى المشايخ والمقتدين والمدرسين والمعيدين، وأذهب عمرك في التحصيل والتمرين، حتى تعرف ولم تكن من الجاهلين،وامش على قدرك،واعرف منزلتك،ولاتخض مع الخائضين الذين بلغ بهم الحسد لهذه الطائفة الربانية الإإإهية(1) إلى أن قالوا:إنهم سحرة، وإن خيارهم كذّابون مكرة، وإن كراماتهم خزعبلات وحيل الأباطيل الشيطانية. أولم يعلموا أن الفرق المخالفة لاتطيق القدح بأكثر من هذه الأقوال الهذيانية» إلى أن قال: «.. فإن قيل من تكلم في هؤلاء بما لا يليق ؟ ومن الذي أقدم بقدحهم على نار الحريق ؟ فقل: تكلم فيهم بعض المتقدمين، ورأينا بعض فضلاء زماننا تكلم فيهم بقلمه ولسانه منذ عدد من السنين، ولقد والله كان غنياً عن هذه المقالة، ولو لطف الله تعالى به لسأله حسن الإقالة.
وإني ـ والله ـ لأوثر له ولمثله من المسلمين من هذه الأمور السلامة،وأودُّ لهم ـ لله تعالى ـ أن يبعدوا عنهم العتب والملامة، ونحن نحكي بعض أقواله، ونسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعنه وعن أمثاله».
(1/45)



************
ثم نقل بعض رأي أبي العباس ـ رحمة الله عليه ـ فيهم، وكلامه عليهم، ثم قال: «... ونحن نقول ونقسم بالله العظيم: إنا نعتقد أن هذا الكلام القبيح الشنيع لا يليق بصغير مبتدىء بين يدي قائله، وإني والله والله والله ـ ثلاثاً ـ الذي لا إإإه إلا هو الرحمن الرحيم لأحزن كل الحزن، وأتأسف كل الأسف على مثل هذا الرجل الفاضل، من أجل صدور مثل هذه الأقوال عنه مع علمه وفضيلته، كيف يرضى لنفسه أن يتكلم في مثل هذه الطائفة التي قد شرّفها الله تعالى يقيناً ؟ وأظهر لها آيات، وأقام على صدقها بيّنات، مع علمه بأنَّ أحداً لا يوافقه على مقالته، ولا يستحل أن يقدم على الحق فيقيم الباطل في قبالته. يا لها من حسرة على الفضلاء الذين خسروا فضائلهم، ولم يأمن الحق وأهله غوائلهم..».
ثم قال بعد تحدٌّ فارغٍ: «... فما بالشقشقة، واللقلقة، والتلفيق، والتزويق تمحو محاسن الإسلام...»(1).
وحين تحدث عن فضائل دمشق، وأتى بكثير مما لا يصح منها، قال: «... ولا تغتر بقول بعض العلماء النابغين في زماننا: لم يثبت من هذه الفضائل شيء ولا أثر لها. فإن مثل ذلك لا يفتقر إلى الثبوت، ومُنكره معاند. وإنما أولئك يريدون محو محاسن دمشق حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبيّن لهم الحق»(1).
وقال وهو بصدد إثبات فكرة الأبدال لدى الصوفية: «... ومنها أنهم سمّوا به (بدلاً) لأنه كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً. وهذا ردّه بعضهم وقال: لو صحَّ ما نقض الدين. ثم أخذ في تضعيفه، وقال: ليس من أمر الدين ولا أصل له ثابت. وأكثر من ذلك.
ونحن نقول:بل قوله مردود،ولهذا الحديث أصل،وليس في إثباته محذور من نقض قاعدة أو تبديل سنة أو غير ذلك. بل من رده حاسد مبغض لأهل الحق وأصحاب (...)(1) الذي ليس لحاسدهم منه ذرة من النصيب.لايكاد يخفى ذلك ولاعن الحمير!!وإن لم تؤمن بما نقوله فعليك بالمنصف الخبير.
(1/46)



************
وهذا الذي يقول هذه الأقوال، ويسري في هذه السبل قد عرف حاله،وله أحوال معنا يكون حاسداً لأصحاب الفضائل الباطنة والظاهرة، فيأخذ في محو محاسنهم طلباً لإثبات نفسه، ووقتاً يكون طالباً لأن يقال: محقق متقن قد جاء ليجدد لهذه الأمة أمر دينها، وغير ذلك من الأمور المذمومة، ونحن نعرفه، ونعرف أغراضه وما نشأ عليه، وما جُبل عليه، وما هو مُراده وما هو معشوقه من الأحوال والأفعال والاعتقادات، فالله تعالى لا يجعلنا بحاله ولامسلماً غيرنا،وشرح أمره أطوله طويل،وبلاء المسلمين به غير قليل»(1).
وتقع على البذاء في أسلوبه، مثل قوله: «...فاعلم ذلك وثق به، ولا تلتفت إلى حيوان ينكر مثل ذلك ولو ادّعى العلم فليس بعالم، لأن العالم يتصرف بعلمه ويعتمد الواجب،وينظر الأصلح ويفكر في العواقب...»(1).
وقال في بحث (الخضر وحياته) عليه السلام: «.. وإن كان أصحاب الأغراض الخسيسة النفسانية،والمقاصد الخبيثة الشيطانية يقولون غير ذلك، إما لدغل كامن وعداء باطنه لهذه الأمة، وإما لحب التفرد بالرياسة، فيأخذ أحدهم في محو محاسن أهل الباطن حتى يصل إلى الخضر عليه السلام.
ثم إن قدر على إثبات محاسن نفسه، وإلا اكتفى في الأمر بمحو الغير، وتغذّت نفسه وطبعه بذلك ورضي به، فاعلم ما يقول وتحققه، ومن العجب كوننا رأينا من الفضلاء من شحن كتبه بشهادة الأولياء، وهم الجم الغفير، ببقاء الخضر عليه السلام ورؤيته ومحادثته والتعلم منه، إلى غير ذلك، ثم يقول في مكان آخر: إن ذلك باطل وإنه من إلقاء الشيطان بين الناس، فلا حول ولا قوة إلا بالله»(1).
وعرض ذكر الملاحم، والذين ينكرونها ممن سماهم بالمتفقهة، ودافع عنها وقال: إن في هذه الملاحم أسراراً لله تعالى، وحكمة واسعة. ودعا إلى سلوك الأدب معها، ثم قال: «... ولقد رأيت جماعة من المتفقهة ينكرون بخلاف الأئمة الفضلاء والسادة النبلاء، حتى إنهم يكثرون الكلام على الملاحم، ويزعمون أنها من الباطل.
(1/47)



************
ولقد رأيت شخصاً كبيراً منهم يقول: الواقعة الفلانية مذكورة في ملحمة ابن عقب(1) أو غيره وجرت كما ذكر لكني أعلم أنها كتبت فيها بعد وقوعها من فعل بعض الزنادقة، أو المتعصبين للباطل، ويحرم بذلك وينكر أن ابن عقب أو غيره يمكنه أن يتكلم على وقوع شيء قبل كونه ويقول: كيف يتهيأ له ذلك وما يعلم الغيب إلا الله تعالى ؟ فلا زلت حتى وقعتُ على ملحمة كتبها بخطه في صغره، وقد جرى في بسط عمره منها وقائع، فقلت: أليس هذا خطك ؟ وقد جرى ذلك بعد كتابك فأبلس»(1).
قلت: ما كان شيخ الإسلام ممن تنقطع حُجَّته أمام رجل قزم العقل كابن السَّرَّاج، ولئن صَدَق في روايته هذه فما يُظن بأبي العباس أن ينسخ هذا الضرب من الملاحم الخرافية حتى وهو صبي.
أكبر الظن أن ما أشار إليه ابن السَّرَّاج ووجده بخط ابن تيمية هو بعض المبشرات التي رآها الصالحون، وقيّدت في كتاب ووافق بعضها ما قدَّره الله تعالى، كتلك التي أخبر بها شيخ الإسلام السلطان الناصر في رسالة بعثها إليه جاء فيها: «وقد حدثنا أبي رحمه الله أنه كان عندهم كتاب عتيق وقف عليه من أكثر من خمسين سنة،قبل مجيء التتار إلى بغداد،وهو مكتوب من سنين كثيرة، وفي آخره: والتتار يقلعهم المصريون. وقد رأى المسلمون أنواعاً من المبشرات بنصر الله ورسوله، وهذا لا شك فيه إن شاء الله...»(1).
(1/48)



************
وله عبارات شنيعة نفهم منها عميق غيظه وأكيد حسده، وهي كثيرة منها قوله: «... فليعلم ذلك المعترض المتحذلق، وهو بسكوته عما لا يعنيه المتفضل المتصدق»(1). وقوله: «... أين يُتاه بك أيها الغافل الجامد ؟»(1).«.. لا كاعتقاد أعداء الملّة الذين يَدَّعون أنهم علماء وفضلاء ومشايخ الإسلام!!وهم أضرّ على الإيمان من أهل الكفر والطغيان»(1) «.. وقد رأينا من الجهلة قوماً لا يَعرفون، ولا يَعرفون أنهم لا يعرفون، ثم إنهم يستنكرون أمر المحبة، وهؤلاء ـ عندي ـ البهائم خير منهم»(1)، ومن حمقه أنّه بالغ في اتهام من عادى الرفاعية بالحسد فقال: «... فإبليس لعنه الله، لم يبلغ به الحسد لآدم على نبيّنا وعليه السلام، أكثر من ذلك»(1).
وقال: «... واعلم أن هذا الشخص من إخواننا في السن وخدمة العلم الشريف من عهد الصبى بدمشق حرسها الله تعالى، ولما عزم على إبداء المخالفة نهيناه كثيراً، وأشرنا عليه بالاشتغال بما يفيد من إصلاح كتب التفاسير والفقه والأصول وغير ذلك(1).
ولما انتقلنا إلى مباشرة الأطراف بإشارات باطنة من (...)(1) والأشراف، لم نزل نرسل إليه، ونؤكّد عليه، وكان يخالفنا في أشياء ثم يرجع ويقول: عجلتُ. وما جاريناه في أمر إلا ردّه الله إلى قولنا، فلا تغترّ بشهرته وصِيْته، واعلم بأن حزب الله هم الغالبون...»(1).
وأردف عقب هذا قائلاً: «.. ونقول حينئذ: ثم من أعظم البلايا أن العلماء المحققين؛ أحجموا عن مساواة ذلك وأمثاله ومقابلتهم، وصانوا أعراضهم لأسباب عن مباحثتهم ومقاولتهم، ولم يظنوا أن يصل الأمر إلى ما وصل فتتابع وتفاقم إلى أن صار لصد الإسلام بسببه مرامه وحصل.
وكان المحققون من العلماء قادرين على إعدام من كان هذا الخلاف المضل من سلوكه وسننه، ولكنهم خافوا أن يصير قتل العلماء من فروض زمانهم الرذل وسننه. حققنا ذلك عياناً...»(1).
(1/49)



************
قلت: قوله: «ولما عزم على إبداء المخالفة نهيناه كثيراً...» إلخ يقصد بذلك قطعاً ما كان منه قبل سنة698هـ من وضوح نهج السلف الصالح في العقيدة لديه، إلى أن كتب (الحموية)، ونقده أشياخ الصوفية المنحرفة، كابن عربي (ت638هـ) الذي كان يحسن الظن به في مطلع شبابه ثم تبين له حاله (1). وإني ليبدو لي أن إبداء مخالفته كان أقدم من ذلك التاريخ بكثير نفهم هذا من كلامه ـ رحمة الله عليه ـ عندما قال: «... وأغرب من هذا ما قاله لي مرة شخص من هؤلاء الغالطين، في قوله: {ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إلاَّ الله}(1) قال المعنى: وما يعلم تأويل: (هو)، أي اسم: (هو) الذي يقال فيه: هو، هو. وصنف ابن عربي كتاباً في (الهو).
فقلت له ـ وأنا إذ ذاك صغير جداً ـ: لو كان كما تقول، لكُتِبَت في المصحف مفصولة: (تأويل هو)، ولم تكتب موصولة..»(1).
وذكر أنه ناقش رجلاً وابنه من المتعصبين لأهل الكلام وهو صغير قريب العهد من الاحتلام (1).
(1/50)



************
وأَعْظَمَ ابن السَّرَّاج الفِرْية عند قوله: «ثم نقول: وإن أصرَّ منكر ولم يقبل النصيحة بل أحب الفضيحة فقل: رأينا هذا المنكر المبالغ المدعي القطبية يصرح بأنه المهدي الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم ويقول:أنا الذي أُقِيم الحق،وأَمْحق الباطل،وأنا المتعيّن لكل الوظائف الدينية والدنيوية،إلى كلام كثير من جنس ذلك.فقيل له:الانتماء والنسب غير موافق.قال: ما علينا من ذلك إذا صح المعنى وهو المقصود.ثم قال:وإن لم أكن هو،فأنا مثله،أو نظيره (..)(1)، وهو الذي حمله على ما قاله، وقد قدح العلماء وخالفهم، وألف العامة وحالفهم،ثم تَرَقّى في بغيه إلى أن تعرَّض إلى جناب الرسولصلى الله عليه وسلم(1)، وقال: إن الصرصري(ت656هـ) صاحب الديوان الحسن في مدح الرسول قد أخطأ في مبالغته،وربما كفّره(1)وقال غير ذلك مما اشتهر عنه في فتاويه الخبيثة التي بثَّها شرقاً وغرباً، واستند في ذلك إلى أشياء كل عالم صغير وكبير، ووضيع ورفيع يعرفها من جنس الأحاديث المتضمنة تواضعه صلى الله عليه وسلم وقوله:«لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح عليه السلام»، و«لا تعظموني كفعل الأعاجم، يعظم بعضهم بعضاً»، و«لا تفاضلوا بيني وبين الأنبياء»، إلى غير ذلك، وكل ذلك لايقدح ما قدحه، وهو محمول علىحبّه التواضع لله تعالى ليرفعه..»(1).
قلت: أمّا زعمه أن شيخ الإسلام ادَّعى المهدية فافتراء منه عليه بلاريب، وما أظن المصدر الذي نقل عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني،قوله: «... ونسبه قوم إلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى»، إلا ابن السَّرَّاج وأضرابه، من الحاقدين الشنأة الذين يضعون هذه الكذبة ويشيعونها لتأليب ولاة الأمرعليه.
(1/51)



************
وكان نصر المنبجي (ت719هـ) من حَمَلة هذه الفرية ـ إن لم يكن مصدرها ـ فقد كان يقول لعلي بن مخلوف القاضي (ت718هـ): «قل للأمراء: إن هذا يُخشى على الدولة منه، كما جرى لابن تومرت (ت524هـ) في بلاد المغرب»، فلما جاء مريده الجاشنكير (ت709هـ) إلى السلطة أوهمه المنبجي أن ابن تيمية سيخرجهم من الملك ويقيم غيرهم(1).
وقد نقل لنا تلميذ ابن تيمية العلامة عمر بن علي البزار (ت749هـ) تفصيلاً لهذه التهمة، وذلك أن الناصر المملوكي سأل شيخ الإسلام حين اجتمع به قائلاً: «إنني أُخبرت أنك قد أطاعك الناس، وأن في نفسك أخذ الملك»، فما كان من أبي العباس إلاّ أن قال بصوت عالٍ غير مكترث به: «أنا أفعل ذلك ؟ والله إن ملكك وملك المغول لا يساوي عندي فِلْسين». فتبسم الناصر، وعلم صدقه، وكذّب من وشى به إليه(1).
أما وصفه فتاوى الإمام المجتهد ابن تيمية بالخبيثة فردٍّ عليه، ولَهَوَ وكتابه بالخبث أولى، وأمّا أنه بثَّها شرقاً وغرباً فذلك صدق أطبقت عليه المصادر، وقد جعل الله في الذي بثَّه منها خيراً كثيراً.
ثم قال: «... وبالجملة؛ هذا مخطىء في هذه الإطلاقات، والتلفظ بالألفاظ المستهجنة المستقبحة، التي هي عند كل عارف جامع للعلوم الشرعية والعقلية، وغير ذلك مما تعرفه الفضلاء، وتبحث عنه النبلاء.
ثم اعلم أنَّا رأيناه يسمع الكرامة، وتثبت عنده اضطراراً لموجبات، فيغتم لذلك عظيماً، ثم تحمله النفس الحاسدة، والطبيعة الكدرة المتكبرة كثيراً المتكبرة كبيراً (كذا)، فيأخذ في إبطالها بوجوه الضلال، فإذا عجز أخذ في قدح النقل مهما أمكنه، وإذا سمع القوادح أعجبته وطرب لها، وقرّب الناقل وأكرمه، حتى إن بعض المتفرجين فيه، الضاحكين منه، يحكون له كرامات يتحققونها، ثم يقولون: الله أعلم إن هذه من أفعال الشياطين.
(1/52)



************
فيقول: أحسنتم أنتم على مذهبي واعتقادي، ثم يضمُّ القائل إلى صدره ويقبِّل رأسه أو غيره إظهاراً لترجحه عنده، فيقضون منه العجب. ثم إنه قال: أنا أقدح المبطلين، فجعل لذلك الأكثر مبطلين بمغالبته واجتهاده الخارج.
ثم ترقّى إلى أن يقدح الأكابر، مثل مشايخ الرسالة القشيرية ـ رضي الله عنهم ـ ومن هو أكبر منهم ممن قد حصل الإجماع على ولايتهم، وأنهم كأنبياء بني إسرائيل على نبينا وعليهم الصلاة والسلام بغير شك ولا مرية بين الأمة إلا عند من قد أضله الله وطمس على قلبه وجعل على بصره غشاوة. فإنا لله وإنا إليه راجعون»(1).
وقال: «... ولا تكن كالجهلة أو المتجاهلين الذين يصل أحدهم إلى مسألة الله أعلم كيف وصل إليها فيعتقد أنه العالم الراسخ، والجبل الشامخ، ثم يأخذ في قدح العلوم وأهلها، ويأخذ في سبيل حزن الأمور وتجنب سهلها ظناً منه أن ذلك هو الدين وأن إنكار المعارف زينة العارفين. كلا والله بل طمس الله على قلبه وأعمى بصره وذهب بلبه، فصار عدو الحقائق آتياً بما ليس بلائق، خسر الدنيا والآخرة، وفاز بالكرّة الخاسرة.
قد حرم طريق العلم الواضح، ومنح الحظ الخسيس الفاضح، عكس الولي الناصح، واللبيب الراجح، الفائز بالرأي الصالح..»(1).
وقال وهو يتحدث عن منكري (الكرامات): «... ولكنهم في هذا الزمان لهم بعض العذر، وسببه أنه قد ظهر في العالم من يقدح الأولياء، ويهدر الأصفياء، ويستهتر بالصلحاء، ويستهزىء بالأتقياء، ويضع من أقدارهم، ويقلّل من أنصارهم، وينكر تعصباً ما لا ينكر عليهم، وينسب كل قبيح وشنيع إليهم، ويجعل أحوالهم إذا صدق بها شيطانية، وإذا لم يصدق بها زورية هذيانية، وإذا كذب بها كفرية بهتانية.
(1/53)



************
وليس قصده في ذلك إلا إثبات نفسه الخسيسة، وأنه مختص بالفضائل الفائقة، والمزايا النفيسة. يقدح العلماء حتى يصل إلى الصحابة، ويغلّط الفضلاء حتى جليل الأهل والقرابة، ومن رآه قد تقدم عليه بفضيلة يجتهد على قذفه بكل سخيفة، ورميه بكل عليلة.
وقد ألّف في ذلك ومثله مؤلَّفات، وصنّف في شبهه ومقاربه مصنَّفات، وبثَّها في البلاد، وأفسد بها عقائد العباد، وفرّق كلمتهم، وضلّل دعوتهم، وتحمّل في ذلك إثماً كبيراً، وأحدث بين الناس خلفاً كثيراً، افتياتاً على الله وعلى عباده، وإعانة للشيطان على كيده وعناده، عجّل الله خلاص الإسلام منه ومن أمثاله، وأسرع بفكاك الإيمان منه ومن أشكاله آمين»(1).
ولما عرض لمسألة حياة أوليائه في قبورهم، كحياتهم الدنيا، قال: «... وذلك مما ثبت عندنا وهو من دلائل أنهم أحياء الدارين، عكس ما قد صَمَّم عليه فضلاء زماننا»، ثم قال: «.. وكان ذكره قد شاع بين الخلائق بكثرة خلفه وتنوع جداله، وتنقيته المسائل الخلافية، واشتغاله وإشغاله بها. هذا مع ما يجري له في غضون ذلك في مجالس لا نرتضيها نحن لغلام له أو صغير بين يديه». ثم ذكر أنه كان عكس هذا أولاً وأردف ذلك بدعاء له الله أعلم بنيّته فيه، قال: «عافاه الله تعالى وإيّانا وسائر المسلمين»(1).
وعند ذكره شيخ أشياخه: الحيدري صلطوق (ت697هـ) أورد عجيبة من عجائب الخلق، فقد قال: «... وكان أشقر اللون، رَبع القامة، أكثر نظره إلى السماء، أشبه الناس صورة بأخينا في السن وخدمة العلم، الشيخ العلامة تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ثم الدمشقي الحنبلي، لا يخالفه إلا بشقرته، أي ظاهراً، ولنا باطناً، فإنه كله خلافه لشيء قُدّر عليه، وحرمان كلي وصل إليه.
(1/54)



************
ولو كان على اعتقادنا في هؤلاء السادة، لحظي بعظيم السيادة، ونال جميع السعادة، وإنما يقال: محروم الارتفاع، ولو وفقه الله تعالى لسلك سبيل الاتضاع، فإنه طلب التقدم فدحض الأول والآخر، ورام التكبر فقلت: من الساخر إلى الساحر(1)، نسأل الله أن يسلك بنا سبيله، وأن يجنبنا نيته وفعله وتبلبله، فما أحسن من نظر نفسه صغيراً ورأى كلاً من العالم كبيراً حقيقاً. فضيلة ذلك من طرق كثيرة وأعظم كتاب لا يغادره صغيرة ولا كبيرة. فثق بما نقول يكون(1) الله معك والرسول».
ثم جاء بعجيبة أخرى تخص شخصيته ـ أعني ابن السَّرَّاج ـ فرغم عدائه الذي رأيت فإنه لم يقطع حب المراسلة والصحبة القديمةـ كما يقول ـ بينهما، ولا ندري نيته في ذلك أهو صادق في نصحائه كما قد يكون الكفرة والضلاّل أحياناً صادقين في دعوتهم من أسلم أو اهتدى إلى ضلالهم وكفرهم الذي هو الحق عندهم ؟ أم هو يبغي في كل مراسلاته كفَّه عن جهاده لذويه وأمثاله ؟
قال: «ولقد نصحناه في زمن الشبيبة بدمشق كثيراً، وأرسلنا إليه من البلاد الشمالية برسائل لا تحصى، نأمره بالاشتغال بما يفيده، وننهاه عن ضد ذلك لله تعالى ولما بيننا من الصحبة القديمة، ولم يظهر من ذلك اجتراحاً، ولا أنكره أصلاً، ولاحى لشيء قدره الله تعالى، ولقد أجرنا على ذلك(1) وإن لم نعد عنده ويحتمل أنه أفاد مسيراً، ولا يهلك إلا هالك»(1).
وقال: «... ونحن ـ بحمد الله ـ لمّا كنا مقيمين بدمشق ـ حرسها الله تعالى ـ كان بيننا وبين هذا الفاضل أنس عظيم، ومجاورة بالأهل والعيال بالبلد والبساتين من حين الصغر واللعب المعتاد بين الصغار.
ولما اشتغلنا بالعلم الشريف كنا أكثر الأوقات مجتمعين، وفي محافل تحصيله ملتئمين، وكان أكبر مِنَّا في السن قليلاً، وكنَّا(1) ننهاه عن كثير من المخالفات، على سبيل الشفقة والمحبة(!!).
(1/55)



************
ولما قُدّر خروجنا إلى الأطراف بالأمر الرباني، والإشارات الصالحة باطناً، ما زلنا نرسل إليه ونعلمه بأن اشتغاله بأهم مما هو فيه أولى وأحرى، وعيّنا له كتباً في فنون يجب إصلاحها والتنبيه على أماكن منها، مع تجار وغيرهم ممن يدعي أنه من أقاربه من أهل حرَّان، ورأس عين الخابور، ومع أشخاص من أهل البيرة وغيرها، وأعلمناه بهذا الكتاب وغيره أننا قد نقضنا أقواله فيهم(1) وبيّنا غلطه.
وكنا لا نكاتبه بذلك لِما علمنا من حال جماعة من السفهاء، والغوغاء والأطراف حوله، يوجسون خاطره، ويقيمون الفتن بينه وبين الناس، ويقولون: يا سيدي أنت يقول لك فلان كيت وكيت ؟ وهل يقال لمثل مولانا ذلك ؟ إلى فنون من هذا الجنون، ولنا بهم خبرة، وما نعلم أكثر سبب بلاياه إلا هؤلاء الجهلة الحمقى.
ثم أرسل يقول: المصلحة؛ تكتب إلي هذه الأمور حتى أفهم المراد جيداً، فكتبت إليه سبعة فصول في مهمات فلم يجب عنها.
والله العظيم أرسلت إليه مرة ثلاثمئة مسألة من فنون شتى، فقال للرسول ـ وكان اسمه الشيخ حسن الكفرعامري الزيداني ـ:اصبر عليّ أياماً.ثم طالبه بها، فصبّره أياماً، إلى أن كمل لها عنده نصف سنة ثم ادّعى ضياع الأوراق جملة.
وما نقول ذلك إلا لِئَلاّ يعتقد بعض الجهلة أننا نخافه أو نرجوه، أو يتوهم من جهته كما يتوهم غيرنا، فالمتوهمون لتوهمهم أسباب هي مفقودة عندنا بحمد الله تعالى»(1).
وكان قد دفع عن نفسه أن يكون مغلوباً لهواه في ردّه على شيخ الإسلام، فقال: «...فإن قال جاهل: أظنك مضاداً وأريد أن تُعَرّفني من جهالات من أشرتَ إليه شيئاًحتى أعلم أنك محق فأتبعك،وأن ذلك القبيل مبطل فأجتنبه. قلنا: اعلم يا قليل المعرفة، يا كثير الجهالة، يا عديم التوفيق، أنّا إن شاء الله تعالى بريؤون من مضادة الحق، ومن كل ما يشبه ذلك...»(1).
(1/56)



************
وقال وهو يمتدح الرفاعية: «.. وأما من تكلم في هذه الطائفة في زماننا وصنف في الإنكار عليهم مصنفات، وزاد عن الحد، وبالغ في الهدّ، وغلط في العدّ، وأسرف في الشد، فقد وقفنا على أحواله، واطلعنا على منواله، وأحطنا علماً من الصغر بجملة أحواله. ونحن وإياه في السن وخدمة العلم والتربية متقاربون، ولنا به اجتماع كثير في بسيط العمر بمدينتنا دمشق المحروسة، ومجامع علمائها، وبرها وجنانها، وبيننا وبينه من الصحبة والبلدية وغير ذلك ما يعلمه الله تعالى، مع التقوى والعفاف، وهو يحبنا، ونحن نحبه في الله لما ذكرنا، ولكن نكرهه ونبغض اعتماده لله تعالى، لأنه قد أكثر من الخلاف من عهد الصغر، وأفسد القواعد وكان في كل أمره عظيم الضرر، وتفاقم بلاؤه وكان في نكاية الدين إحدى الكبر، مضلاً للبشر. كفى الله الإسلام شرّه وشرّ أمثاله وأطفأ عنهم من شقاشقهم جملة الشرر»(1).
لماذا كان ابن السَّرَّاج المتهم عندي ؟
ربما اعترض معترض وقال: قد سلَّمنا ببراءة الحافظ الذهبي، من هذه الرسالة، وأن مرسلها بعيد عن أخلاقه وأسلوبه، وأنها صادرة من شانىء لابن تيمية وأصحابه، فمن أين لك أن توقع التهمة على محمد بن السَّرَّاج دون غيره، من الأضداد المخالفين، وهم كثير ؟
فأقول: أعلمُ أن المصادر تُجمع على أن أناساً من مخالفيه، قد ناقشوه وناظروه، ومنها الذي يذكر أن بعضهم ردّ عليه في كتاب، وأن آخرين تطاولوا عليه، باللسان وباليد حيناً، ومنهم الذين نصحوه مشافهة، كما فهمتُ من بعض تلك المصادر.
بيد أنّي لم أقف على مصدر، يعرفه الدارسون، يُذكر فيه أن فلاناً من أصحابه أو خصومه، أرسل إليه برسائل لا تحصى (كثرة)، كما رأينا اعتراف ابن السَّرَّاج بذلك في المصدر الذي عثرت عليه.
(1/57)



************
نعم من شبه المؤكد؛ أن أصحابه وتلاميذه كانوا يكتبون إليه حين يُمنعون من زيارته أيام سُجن، وفي سجنته الأخيرة مما لم ينقل إلينا، ولكنها رسائل ودّ وتعظيم واحترام لا كهذه «النصيحة». ويبقى احتمال إرسال المخالفين له برسائل كالتي رأيناها في «النصيحة» احتمالاً لا سند له في المصادر.
وتأمل معي هذا:
1 ـ صداقة ابن السَّرَّاج القديمة مع مخالفته العميقة لأبي العباس بن تيمية في العقيدة والمنهج... إلخ.
2 ـ شخصية ابن السَّرَّاج المتعصبة للرفاعيّة، الراغبة في منازلة ابن تيمية والغلبة عليه، أو كفّه عن الصوفية والفقراء.
3 ـ مشابهة معاني «النصيحة» لمعاني كلماته التي نقلتها لك.
4 ـ وأخيراً تصريحه بكثرة إرساله الرسائل والمسائل العلمية إليه.
ما مصير رسائل ابن السَّرَّاج ؟
لا يُعلم ماذا كان يفعل شيخ الإسلام، بسيل الرسائل التي كان يرسلها ابن السَّرَّاج والتي وصفها بأنها لا تحصى (كثرة) ؟ تلك الرسائل التي يُفهم أنه بدأ في إرسالها بعد سنة698هـ لمَّا فارق دمشق، وأظن أنه استمر في إرسالها إلى سنة726هـ قبل دخول ابن تيمية السجن.
فإما أنه كان يجيبه على ظهر الورقة، التي كتب ابن السَّرَّاج عليها كلامه ـ وهذا معلوم من فعل شيخ الإسلام في الفتاوى التي كانت تَرِد إليه ـ وإما أن يكتب على ورق جديد، وإما أنه قد عرف من صديقه القديم شغبه وهذره فلم يرها أهلاً للإجابة عنها، فيأمر بها، فتُمحى الكتابة عنها ويُفاد من ورقها(1). فإن بقي في بيته منها شيء فلا يُظن بمحبيه وطلابه إلا محوها إن آلت إليهم.
ولكن كيف انسلّت هذه الرسالة الظالمة من مآلها ذاك، ووقعت إلى من وقعت إليه ؟ نعدُّ من الممكنات بعضها فنقول: إما أنها لم تصل ليد شيخ الإسلام أصلاً، إما لإهمال حامل الرسالة في إيصالها حتى تَلَقَّفها فضولي، ذهب بها إلى غير من أرسلت له.
(1/58)



************
أو أنها وصلت إليه وهو في سجنه الأخير وبقيت ضمن أوراقه وكتبه حتى أخرجت في 19/جمادى الآخرة سنة728هـ بأمر سلطاني، وجعلت في خزانة المدرسة العادلية، أو كانت بين أوراقه، التي منها تصانيفه التي فُرِّقت بين الفقهاء والقضاة(1).
صورة «النصيحة» بخط ابن قاضي شهبة
صورة «النصيحة»بخط الكوثري
أنموذج من خط ابن السراج من كتاب (التشويق)
[قال أبو عمر: بأن النماذج موجودة في الكتاب المطبوع]
نَصُّ الرسالة
) هذا ما وجد بخط ابن قاضي شهبة): «رسالةٌ كَتَبَ بها الشيخ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي، إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية، كتبتُها من خط قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة رحمه الله، وكتبها هو من خط الشيخ الحافظ أبي سعيد بن العلائي، وهو كتبها من خط مرسلها الشيخ شمس الدين(1):
الحمد لله على ذلتي(1) يا رب ارحمني وأقلني عثرتي، واحفظ علي إيماني. واحزناه على قلة حزني، واأسفاه على السنة وذهاب أهلها، واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء، واحزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم، وأهل التقوى، وكنوز الخيرات، آه على وجود درهم حلال، وأخ مؤنس(1).
طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتباً لمن شغلته عيوب الناس عن عيبه، إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك، وتذم العلماء، وتتبع عورات الناس ؟ مع علمك بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا»(1).
بلى أعرف أنك تقول لي لتنصر نفسك: إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شموا رائحة الإسلام، ولا عرفوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو جهاد(1).
بلى والله عرفوا خيراً كثيراً مما إذا عمل به العبد فاز، وجهلوا شيئاً كثيراً مما لا يعنيهم و«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه». يا رجل بالله عليك كفَّ عنا، فإنك محجاج، عليم اللسان لا تقر ولا تنام(1).
(1/59)



************
إياكم والأغلوطات في الدين، كره نبيك صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، ونهى عن كثرة السؤال وقال:«إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان».
وكثرة الكلام بغير دليل تقسّي القلب إذا كان في الحلال والحرام، فكيف إذا كان في عبارات اليونسية والفلاسفة، وتلك الكفريات التي تعمي القلوب(1).
والله قد صرنا ضحكة في الوجود، فإلى كم تنبش دقائق الكفريات الفلسفية، لنرد عليها بعقولنا ؟ يا رجل قد بلعت (سموم)(1) الفلاسفة وتصانيفاتهم مرات، وبكثرة استعمال السموم، يُدمن عليها الجسم، وتكمن والله في البدن(1).
واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبّر، وخشية بتذكّر، وصمت بتفكّر. واهاً لمجلس يذكر فيه الأبرار، فعند ذكر الصالحين تتنزل الرحمة، لا عند ذكر الصالحين يذكرون بالازدراء واللعنة. كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما(1).
بالله خلونا من ذكر بدعة الخميس(1) وأكل الحبوب، وجدوا في ذكر بدع كنا نعدها من أساس الضلال قد صارت هي محض السنة، وأساس التوحيد، ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار، ومن لم يكفره فهو أكفر من فرعون(1).
وتعدُّ النصارى مثلنا(1) ؟ والله في القلوب شكوك، إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد. يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والانحلال، لاسيما إذا كان قليل العلم والدين باطولياً شهوانياً،لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه، وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط،خفيف العقل أو عامي كذاب،بليد الذهن أو غريب واجم قوي المكر أو ناشف صالح، عديم الفهم، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل(1).
يا مسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك. إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار ؟ إلى كم تصادقها وتزدري بالأبرار ؟ إلى كم تعظمها وتصغر العباد ؟ إلى متى تخاللها وتمقت الزهاد ؟(1).
(1/60)



************
إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح بها ـ والله ـ أحاديث الصحيحين ؟ يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك، بل في كل وقت تُغير عليها بالتضعيف والإهدار أو التأويل والإنكار(1).
أما آن لك أن ترعوي ؟ أما حان لك أن تتوب وتنيب؟ أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل(1) ؟ بلى والله ما أذكر أنك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت(1)، فما أظنك تقبل على قولي، ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات، وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتى أقول: والبتة سكت(1).
فإذا كان هذا حالك عندي، وأنا الشفوق المحب الوادِّ(1)، فكيف يكون حالك عند أعدائك ؟ وأعداؤك ـ والله ـ فيهم صلحاء وأخيار، وعقلاء وفضلاء، كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة، وجهلة وبطلة وعور وبقر!!
قد رضيت منك بأن تسبني علانية، وتنتفع بمقالتي سراً (رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي)، فإني كثير العيوب، غزير الذنوب، والويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علام الغيوب، ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبين وعلى آلة وصحبه أجمعين.
آخر الرسالة الذهبية نصيحة منه لابن تيمية»
ثبت المصادر والمراجع
1 ـ الأعلام، الزركلي. بيروت.
2 ـ الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، البزار، بيروت.
3 ـ الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، السخاوي، بيروت.
4 ـ أعيان العصر وأعوان النصر، الصفدي، دمشق.
5 ـ الانتقاء، الإمام ابن عبد البر، دمشق.
6 ـ البداية والنهاية، ابن كثير، بيروت.
7 ـ بيان زغل العلم والطلب، والنصيحة الذهبية، «الذهبي»، دمشق.
8 ـ تاريخ ابن قاضي شهبة، ابن قاضي شهبة، دمشق.
9 ـ تاريخ الإسلام، الذهبي، بيروت.
10 ـ تاريخ حوادث الزمان وأنبائه، ابن الجزري، بيروت.
11 ـ تذكرة الحفاظ، الذهبي، بيروت.
12 ـ التسعينية، ابن تيمية، الرياض.
(1/61)



************
13 ـ تشويق الأرواح والقلوب إلى ذكر علام الغيوب، ابن السراج الدمشقي، مخطوط.
14 ـ تفاح الأرواح ومفتاح الأرباح، ابن السراج، مخطوط.
15 ـ التوضيح الجلي في الرد على النصيحة الذهبية، محمد بن إبراهيم الشيباني، الكويت.
16 ـ جامع الرسائل، ابن تيمية، القاهرة.
17 ـ جامع كرامات الأولياء، النبهاني، بيروت.
18 ـ الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون، جمع محمد عزيز شمس وعلي بن محمد العمران، مكة المكرمة.
19 ـ الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، ابن حجر العسقلاني، بيروت.
20 ـ دول الإسلام، الذهبي، بيروت.
21 ـ الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام، بشار عواد معروف، القاهرة.
22 ـ ذيل تاريخ الإسلام، الذهبي، الرياض.
23 ـ الذيل التام على دول الإسلام، السخاوي، بيروت.
24 ـ الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب الحنبلي، بيروت.
25 ـ الرد الوافر، ابن ناصر الدين الدمشقي، بيروت.
26 ـ رسالة إلى السلطان الملك الناصر في شأن التتار، ابن تيمية، بيروت.
27 ـ سير أعلام النبلاء، الذهبي، بيروت.
28 ـ شيخ الإسلام ابن تيمية وأخباره عند المؤرخين، صلاح الدين المنجد، بيروت.
29 ـ طبقات الشافعية، ابن قاضي شهبة، بيروت.
30 ـ العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، ابن عبد الهادي، القاهرة.
31 ـ مجموعة الفتاوى، ابن تيمية، السعودية.
32 ـمجموع فيه مصنفات لشيخ الإسلام ابن تيمية، نشر: إبراهيم الميلي،بيروت
33 ـ مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ابن قيم الجوزية، دمشق.
34 ـ المعجم المختص، الذهبي، الطائف.
35 ـ معجم الشيوخ، الذهبي، الطائف.
36 ـ مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، بيروت.
37 ـ المُقفَّى الكبير، المقريزي، بيروت.
38 ـ منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، الرياض.
39 ـ النصيحة الذهبية لابن تيمية، «ابن السراج الدمشقي»، مخطوط.
40 ـ هدية العارفين، البغدادي باشا، بيروت.
41 ـ الوافي بالوفيات، الصفدي، بيروت.
(1/62)



************
42 ـ الوفيات، ابن رافع السلامي، بيروت.
فهرس الموضوعات
(أرقام الصفحات هنا غير صحيح)
المقدمة3
الباعث على دراسة «النصيحة»5
مخطوطة «النصيحة» وناشرها الأول7
الرأي في سبب انخداع بعض العلماء بـ «النصيحة»14
تفسيري لما افترض أنه وقع والعلم عند الله تعالى16
مكانة ابن تيمية عند الذهبي18
محمد بن السَّرَّاج الدمشقي: (المتهم بإرسال النصيحة):
اسمه32
حياته32
شيوخه35
مؤلفاته37
وفاته39
بعض كلمات ابن السراج في شيخ الإسلام ابن تيمية41
لماذا كان ابن السراج المتهم عندي ؟76
ما مصير رسائل ابن السراج ؟78
صورة من مخطوطة النصيحة وأنموذج لخط ابن السراج79
نص الرسالة83
فهرس الأعلام89
ثبت المصادر والمراجع93
الهوامش:
(1) السخاوي، (الإعلان بالتوبيخ) ص104.
(1) (الصوفية القلندرية، تاريخها وفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية فيها)، أبو الفضل القونوي. بيروت.1423هـ.
(1) النبهاني، (جامع الكرامات) 1/10 والذي يظهر أن النبهاني لم يقف على ترجمة لابن السراج فذكر اسمه ناقصاً خطأ.
(1) الصفدي (الوافي بالوفيات) 7/18.
(1) انظر كتابه القيم (الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام) ص146.
(1) جملة الورق غير المرتب.
(1) أظنه: أمين بن محمد خليل السفرجلاني (ت 1335 هـ) الفقيه الحنفي الدمشقي. (الأعلام) 2/20.
(1) ابن قاضي شهبة، (طبقات الشافعية) 3/140 قلت: لا يفيد هذا النقل في توثيق ما نحن بصدده شيئاً.
(1) السخاوي، (الإعلان) ص136، 137.
(1) ابن ناصر الدين الدمشقي، (الرد الوافر) ص100.
(1) ومن الغريب أن أعجمياً مستشرقاً هو (فرانز روزنثال) قال كلاماً كالمتوقف في زعم الكوثري هذا، حين قال في تعليقه على «الإعلان» ص136: (ويقول محمد زاهد الكوثري ناشر الكتاب: إن «النصيحة الذهبية» لابن تيمية التي نشرها مع بيان (زغل العلم) هي نفس الرسالة التي أشار إليها السخاوي).
(1) في النفس من ثبوت (زغل العلم) للذهبي شيء.
(1/63)



************
(1) أسقط الكوثري من كلام السخاوي قوله: «عقيدة مجيدة» أو تظن أنه لم يتعمد ذلك؟.
(1) لم أشأ أن أطيل القول في رد أباطيله، وإن شئت أن تقف على كذبه فاقرأ (الرد الوافر) للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي، والكتاب الذي جمعه محمد عزيز شمس وعلي بن محمد العمران وسمياه: (الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون).
(1) حسام الدين القدسي، مقدمة (الانتقاء) لابن عبد البر.
(1) كتبت في المطبوعة (الأسلوب).
(1) صلاح الدين المنجد، (شيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين) ص14.
(1) بشار عواد معروف، (الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام) ص61، ص102، ص146، ومقدمة (سير أعلام النبلاء) 1/38.
(1) ابن قاضي شهبة (تاريخ ابن قاضي شهبة) وفيات سنة 741 هـ ص155، 156، وابن حجر العسقلاني، (الدرر) (1/308، 312).
(1) قال الذهبي في ترجمته: «... والد شيخنا..، وحدثنا عنه على المنبر ولده أيده الله بروح منه» (تاريخ الإسلام) وفيات (682 هـ) ص104، 105.
(1) قال الذهبي في ترجمة نصر المنبجي: «... ونقل إليه أوباش عن شيخنا ابن تيمية أنه يحط على الكبار، فبنى على ذلك، فهلا اتعظت في نفسك بذلك، ولم تحط على ابن تيمية؟ فإنه والله من كبار الأئمة، وبعد فكلام الأقران لا يقبل كله، ويقبل منه ما تبرهن...» (ذيل تاريخ الإسلام) ص196.
(1) الذهبي، (ذيل تاريخ الإسلام) ص324 ـ 330.
(1) الذهبي، (تذكرة الحفاظ) 4/1496ـ1498.
(1) الذهبي، (معجم الشيوخ) 1/56ـ57.
(1) الذهبي، (المعجم المختص) ص25 ـ 27.
(1) ابن رجب الحنبلي، (الذيل على طبقات الحنابلة) 2/389 ـ 391.
(1) ابن رجب الحنبلي، (المصدر السابق). 2/394، 395.
(1/64)



************
(1) عرفنا أن غير الذهبي نصحه في ذلك من جواب رسالة أرسلت إليه سنة706هـ وهو في السجن، طُلب منه فيها أن يُلين الكلام مع الخصوم ويخاطبهم بالتي هي أحسن. وقد بيَّن في جوابه هذا أنه من أكثر الناس استعمالاً لما طلب منه و«لكن كل شيء في موضعه حسن». انظر (الفتاوى) 3/232 ـ 234.
(1) الذهبي، (تاريخ الإسلام) حوادث سنة 698 هـ ص61، 62. وانظر (الفتاوى) 3/183،186،218،253، و(التسعينية) 1/118، تجد أن غضبه لله ولرسوله في حقيقة الأمر كما قال الذهبي.
(1) ابن حجر العسقلاني، (الدرر) وابن ناصر الدين الدمشقي، (الرد الوافر) ص121.
(1) الصفدي، (أعيان العصر) 5/33. وابن حجر، (الدرر) 4/188.
(1) الصفدي، (الوافي بالوفيات) 7/17 ـ 18.
(1) الذهبي، (تاريخ الإسلام) وفيات سنة (ت 652 هـ) ص128.
(1) ابن رجب الحنبلي، (ذيل طبقات الحنابلة) 2/392، 393، وابن ناصر الدين الدمشقي (المصدر السابق) ص100.
(1) بشار عواد معروف (الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام) ص102 ـ 146.
(1) ابن ناصر الدين الدمشقي، (الرد الوافر).
(1) ابن رافع (الوفيات) 2/39.
(1) ابن قاضي شهبة،(التاريخ)2/500،وابن حجر العسقلاني،(الدرر الكامنة) 4/42.
(1) واسم كتاب ابن السَّرَّاج، (تشويق الأرواح والقلوب إلى ذكر علام الغيوب) و(تفاح الأرواح ومفتاح الأرباح) الذي هو من جملة أجزاء التشويق.وقد عثرت على نسخة (التشويق) بخط المؤلف وهي باصطمبول (عمجه زاده رقم 272) و(التفاح) وأصلها بجامعة (برنستون) بأمريكا ومصوّرتها بمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض (رقم 1127)وهو مصدر مهم في تاريخ التصوف، وتراجم القلندرية، وغير ذلك.
(1) ابن السَّرَّاج (التفاح) الورقة 127، 130 و(التشويق) الورقة 151، 152.
(1) ابن كثير، (البداية والنهاية) 13/320.
(1) ابن ناصر الدين الدمشقي، (الرد الوافر) ص154، 235، وانظر الصفدي، (