بسم الله الرحمن الرحیم
الشيخ آغا رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي(000 - 1322 هـ = 000 - 1905 م)
الشيخ آغا رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي(000 - 1322 هـ = 000 - 1905 م)فهرس التراث، ج2، ص: 242
آغا رضا الهمداني (- 1322) «1»
الشيخ آغا رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي.
مما قال شيخنا العلامة: «من أكابر العلماء المحقّقين، و من مشاهير مراجع عصره، تخرّج عليه جماعة من الأجلاء- ثم ذكرهم- و كانت له مع تلاميذه سيرة حسنة يتواضع لهم و يدرّبهم، و كان مترسلا في العيش إلى أبعد حد، و كان يجلس مع تلامذته و أصحابه كأنه واحد منهم، لم يسمع عنه أنّه استغاب أحدا، و كان لا يسمح لأحد أن يغتاب آخر في مجلسه، مرض بالسلّ فسافر إلى سامراء و فيها توفي في صبيحة 28 صفر سنة 1322 ه، و دفن في رواق العسكريّين من جانب الرجل عن نيف و سبعين عاما».
روى عن المحدث النوري (ت/ 1320 ه) و أسند عنه شيخنا العلامة.
من آثاره:
1- مصباح الفقيه في شرح الشرائع:
و هو شرح لكتاب الطهارة و الصلاة و الصوم و الخمس و الزكاة، طبع طبعة حجرية في ثلاثة أجزاء سنة 1364 ه. و أعيد طبع الكتاب حروفيا و صدر منه ثلاث مجلدات في المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث بقم في السنوات 1417- 1419 ه، و كما طبعت الأجزاء 13 و 14 مؤسسة النشر الإسلامي بقم في سنة 1416 ه.
2- رسالة في الخلل:
و هي رسالة تقع في 70 صفحة، نسختها بخط المؤلف بتاريخ 1287 في مكتبة آية الله الحكيم العامة في النجف برقم 1136 ه.
الشيخ آقا رضا ابن الشيخ محمد هادي الهمذاني النجفي
توفي بسامراء صبيحة يوم الأحد 28 صفر سنة 1322 و دفن في الرواق شيخنا و استأذنا الذي جل استفادتنا في الفقه كانت منه بل و في الأصول فضلا عما استفدناه من أخلاقه و أطواره و سيرته العملية فان أنفع المواعظ الموعظة بالافعال لا بالأقوال
أعيانالشيعة، ج7، ص: 20
وصف حاله العلمية
كان عالما فقيها أصوليا محققا مدققا من أفضل تلاميذ الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي مشغولا ليله و نهاره بالمطالعة و التأليف و التدريس في الفقه و الأصول ياتي صباحا من داره التي بقرب مسجده الذي كان يؤم فيه فنسمع درسه في الفقه الذي كان يلقيه من كتابه مصباح الفقيه و قد كتبه في اليوم الماضي و الليلة الماضية فيستمر ذلك نحوا من ساعة بعد ما يستمر الانتظار لاجتماع الطلاب نحوا من نصف ساعة ثم يذهب إلى داره و يشتغل بكتابة درس اليوم الآتي إلى الظهر فيذهب إلى المسجد فيصلي بمن اجتمع فيه ثم يعود إلى البيت فيتغدى هو و ابن أخته و صهره الشيخ علي الذي كان يشبهه في علمه و أطواره و أخلاقه و ابن أخيه الذي كان ساكنا معه و حضر من همدان للنجف لطلب العلم و ولده الشيخ محمد و كان غذاؤهم غالبا ما يحضره هو أو أحد من ذكر من خبز العجم الذي يباع في السوق و لا يكون ناضجا مع شيء من الجبن و بعض البقول ثم ينام قليلا فإذا انتبه اشتغل بالمطالعة و كتابة الدرس و كان لهذه الدار حجرة صغيرة يصعد إليها بدرج من باب الدار رأسا تشبه حجرتي التي بدار الوقف في دمشق. هي مقره و محل مطالعته و تصنيفه و كنت احتاج في بعض الأوقات ان اساله عن مسألة أو معنى عبارة في مؤلفاته فادخل عليه و القلم و القرطاس في يده و الجواهر و الحدائق و الوسائل مفتوحات أمامه فيلقي القلم و الكاغذ من يده و يتوجه إلي فاساله عما أريد و يجيبني فإذا انتهى الحديث بيننا تناول القلم و القرطاس فأسرع انا حينئذ إلى الباب. و يبقى مشغولا بالمطالعة و الكتابة إلى الساعة الحادية عشرة عصرا فيخرج إلى المسجد و يلقي درسا في الفقه من كتابه مصباح الفقيه حتى يصير وقت المغرب فيصلي اماما في ذلك المسجد ثم يذهب إلى الحضرة الشريفة فيزور القبر الشريف و يصلي و يدعو ثم يعرج أحيانا على الحجرة المدفون فيها السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة أو غيرها فيجلس هناك ما شاء ثم يذهب إلى داره و قد يذهب إلى داره رأسا بعد الزيارة فيتمشى مع من ذكرناهم و يشتغل بالمطالعة ثم يستيقظ فيصلي الصبح فان وجد متسعا للمطالعة و الكتابة اشتغل بهما حتى تطلع الشمس فيحضر إلى المسجد و هكذا و تخرج به جماعة صاروا من أفاضل زمانهم و بعد وفاة الميرزا الشيرازي قلد و كان قد كتب حاشية على نجاة العباد و رجع اليه جماعة من الخواص معتقدين أعلميته و لم تطل أيامه و عرض له مرض النسيان فامتنع عن الفتيا و قبض الحقوق و خرج من النجف لتغيير الهواء و اقام بسامراء فازداد فيها ضعفه و مرضه و توفي فيها و هو في سن الكهولة بالتأريخ المتقدم و دفن في الرواق كما مر و ذلك بعد خروجنا من النجف بنحو من ثلاث سنوات و كتب لنا شهادة بخط يده بالاجتهاد و قال له يوما الشيخ علي القمي عن حديث انه موجود في مستدركات الوسائل فقال ( [ابن يكبول نمارزد] اين يك پول نمىارزد) هذا لا يساوي فلسا و قال يوما: نحن في حجية الاخبار مقلدون للمحقق الحلي في قوله ما قبله الأصحاب قبلناه و ما ردوه رددناه و جرى يوما ذكر الفقه الرضوي فأنكر ان يكون من تأليف الرضا ع و قال ان الرضا لما مر بنيسابور و روى لهم حديث سلسلة الذهب كتبه عنه الألوف من الناس فلو كان الفقه الرضوي من تاليفه لما خفي امره و لم يطلع عليه الا رجل واحد بعد وفاة الرضا ع بمئات السنين و قال له عاملي في مجلس هذا اجماعي فغضب و قال أنت تقعد هنا في القبة و تقول إجماعا إجماعا من اين أتاك هذا الإجماع؟ و قال لي يوما: جاءني عاملي و لم يسمه لكنني عرفته بالقرائن- فقال لي هذه شهادة اجتهاد أحب ان توقع فيها! فانا من أين أعرف انه طالب علم فضلا عن انه مجتهد
زهده و ورعه و تقواه
كان زاهدا في الدنيا معرضا عنها حتى عن الكلام في أمورها العادية كالقصص و التواريخ و الحكايات و السوانح لا يتكلم الا بما يعنيه لم نسمع منه شيئا من ذلك و اعترف غيرنا ممن عاشره بمثل هذا لكن ذلك مع الاعتدال لا كفعل الربيع بن خثيم الذي سال رجلا هل لك أب هل في قريتكم مسجد ثم ندم و قال سودت صحيفتك يا ربيع على ما مر في ترجمته عاشرناه و واظبنا على القراءة عليه مدة وجودنا في النجف بعد فراغنا من قراءة السطوح و ذلك نحوا من ثماني سنوات و خرجنا منها قبل وفاته بنحو من ثلاث سنين فلم نعثر منه طول هذه المدة على زلة و لا صغيرة و اعترف بذلك أيضا غيرنا ممن عاشره و كانت فيه صفات العلماء المخبتين و الزاهدين الورعين حقا لم تسمع في مجلسه غيبة من أحد و إذا شعر من أحد الجالسين انه يريد الخوض في ذلك شرع فيما يوجب عدم خوضه فيه و كان في عصره رجل في النجف اسمه الشيخ هادي الطهراني مشهور بالفضل له حلقة درس كبيرة و مؤلفات مطبوعة يقال انه كان يطيل لسانه على أكابر العلماء.
و لعله لما كان يعتقده في نفسه من الفضل و التفوق و قد شاهدناه في النجف و كثر الكلام في حقه من كثير من أكابر العلماء حتى وصل إلى حد التكفير فانحل امره و تناقص عدد حلقة درسه إلى ما يقرب من عدد الأصابع أو يزيد قليلا و كان ذلك قبل ورودنا النجف فوردناها و الحال على ذلك و في بعض أوقات وجودنا فيها ثارت ثائرة جماعة من العلماء عليه فاصدروا فتاواهم بتكفيره و أرسلوا إلى شيخنا المترجم ليشاركهم في ذلك فأبى و قال التكفير امر عظيم لا أقدم عليه بمثل هذه النسب و صارت يومئذ مسألة الشيخ هادي حديث الناس من العلماء و الطلاب و غيرهم في مجالسهم و محافلهم اما شيخنا المترجم فلم يكن أحد يجسر على ذكر شيء من ذلك في مجلسه و كان الطلبة قبل حضوره إلى الدرس يخوضون في ذلك فإذا حضر سكتوا أو تكلموا في غيره و إذا شعر بان أحدا يريد الخوض في ذلك منعه و سال رجل في حلقة الدرس عما يفعله بعض الاساتذة من شتم بعض الطلاب و زجرهم فقال هم محمولون على الصحة اما نحن فلا نفعل ذلك لكنه كان يغضب إذا رأى ما ينافي الشرع جرى يوما بمجلسه ذكر ما يفعله المسمون في العراق بالرواديد في مجالس العزاء من الترجيع و الترديد فأظهر غاية الاشمئزاز و الاستنكار.
وثوق الخاصة و العامة به بما لا يثقونه بغيره
و انا أورد في ذلك حكاية واحدة تدل على المراد و فيها مع ذلك مواعظ و عبر و آداب دينية يلزم كل عالم ان يتأسى بها. لما توفي السيد مهدي الحكيم النجفي في جبل عامل كان له مع السيد محمود الحبوبي أحد تجار العراق سبعون ليرة عثمانية ذهبا و له ورثة في العراق و آخرون في جبل عاملة فأراد وصيه الشيخ عبد الحميد شرارة ان يستجلب سهم الورثة العامليين من العراق فكتب وكالة لي و للشيخ حسين مغنية بقبض سهم الورثة العامليين و إيصاله إليهم و وقع عليهما أشهر علماء جبل عاملة السيد علي ابن عمنا السيد محمود و السيد نجيب فضل الله و بذل السيدان كل ما لديهما من فقاهة في تصحيح هذه الوكالة لتكون مقبولة غير مردودة فنطق الوصي بصيغة الوكالة الصحيحة و قبل السيد علي الوكالة بلفظ قبلت فضولا عن الموكلين و غير ذلك مما ربما يشترط بالوكالة فلقيت الحبوبي و أخبرته بذلك فقال أريد
أعيانالشيعة، ج7، ص: 21
ان أدفعها عن يد عالم مجتهد و أخذ بها إيصالا شرعيا قانونيا لأكون فارغ الذمة امام الله و لا يطالبني أحد من الناس فقلت ليكن ذلك فقال انا لا اطمئن بغير الشيخ آقا رضا الهمذاني فقلت انه شيخنا و استأذنا فحضرنا جميعا امام الشيخ انا و شريكي في الوكالة و السيد محمود و احضر السيد محمود معه ابن عمه السيد محمد سعيد العالم الشاعر المشهور ليكون مراقبا على صحة الإيصال شرعا و قانونا لكنه حين كتابة الإيصال اضطر ان يؤخر كتابته لأنها لم تنتظم معه في المجلس رغم علمه الوافر و أدبه الجم فلما عرضنا ذلك على الشيخ قال ان الوكالة لا تثبت بالخط لكن ان كنتما وكيلين و الا فانا اوكلكما لأنني ولي الغائب فهذه أول عقدة انحلت و الحمد لله و شرع السيد الحبوبي في دفع الليرات فظهر انها تنقص ليرة واحدة فقال اكتبوا الإيصال و انا أحضرها من السوق فشرعنا نكتب الإيصال فقال الشيخ كيف تكتبون بوصول المبلغ تماما و هو ينقص واحدة هذا كذب لا يجوز فقلت له انها تصلنا بعد وقت قصير فهبه كقوله تعالى و نفخ في الصور فلم يقبل فقلت له نقرضه ليرة مما دفعه و يدفعها لنا فيرتفع الكذب و لم يكن معنا ليرة لنا لنقرضه إياها لأننا:
لا تألف الليرة الصفراء صرتنا بل قد تمر عليها و هي تنطلق
فقال الشيخ لا يجوز لكم إقراض مال اليتيم [فلت] قلت له انه سيعود إلينا بلا فصل قال و ان فلما رأى الحبوبي النزاع محتدما قام إلى السوق و احضر ليرة و دفعها لنا و انحلت هذه العقدة الثانية و الحمد لله فقال الشيخ أنتم هنا و أصحاب المال في جبل عاملة فكيف ترسلونه إليهم و لعله يفقد في الطريق فقلت له نحن لا نرسله عينا إلى جبل عاملة و لكننا نضعه أمانة عند بعض التجار و نكتب إلى الوصي فيقبض ممن لهم أولاد طلاب في النجف و يحول علينا فندفع لأولادهم فقال عند أي تاجر تريدون وضع المال قلنا له عند الحاج علي شعبان و الحاج باقر شعبان و كانا من الأتقياء المعتمدين عند الجميع فقال اشهدوا عليهما عند الدفع فقلت له أ تاجر الذي نضع عنده أمانة يثقل الاشهاد عليه و ان كان من أهل التقوى فقال لا يلزم أن تقولوا له نريد ان نشهد عليك بل تدفعون له بحضور شاهدين بدون أن يفهم انهما حضرا للشهادة عليه و انحلت العقدة الثالثة و الرابعة و لله الحمد و المنة و في هذه الحكاية درس عظيم نافع لمن يتولون قبض الأمانات.
تواضعه الشديد و حمله نفسه عليه في كل شيء
من تواضعه الشديد انه كان يقوم لكل داخل و يقوم للطلاب جميعهم حتى في أثناء الدرس و العادة المتبعة في النجف ان الشيخ لا يقوم لاحد من تلاميذه في يوم الدرس سواء في اثنائه و خارجة فإذا قام لهم علموا ان ذلك اليوم يوم تعطيل اما الطلاب فيقومون للداخل منهم قبل شروع الشيخ في الدرس و في أثناء الدرس لا يقومون لاحد اما شيخنا المترجم فكلما دخل واحد منهم قام له و لو في أثناء الدرس فيقوم و الكراس الذي يقرأ فيه في يده فإذا كان ذلك في أثناء الدرس كان وحده هو القائم و باقي الطلاب جالسون.
و كان يشتري لوازم بيته بنفسه و لا يكل ذلك إلى أحد رأيته مرة واقفا على القصاب ينتظر فراغه ليعطيه اللحم و ذلك في أيام الزيارة و القصاب مشغول بالبيع على الزائرين و لا يلتفت إلى أصحابه المواطنين لان انتفاعه من الغرباء أكثر و كان واقفا قبل مجيئي مدة الله اعلم مقدارها فصحت بالقصاب ان اعط الشيخ ما يريد فقال الشيخ ما يخالف فقلت له اي شيء ما يخالف يدعك إلى آخر الناس فاعتذر القصاب و وزن له و وزن لي بعده و لو لا مجيئي لكان حاله حال ابنتي شعيب. و رأيته مرة يساوم على الحطب يوم الجمعة أو الخميس لأنهما يوما تعطيل الدروس في الأسبوع ياتي الحطابون بالحطب من الرمث أو الشنآن و ما أشبه ذلك من البرية على حميرهم و يقفون بها في الازقة فتشتري الناس منهم فقلت له يا شيخنا كلف غيرك يشتري لك الحطب فقال انا لا أغير طريقتي و كان يومئذ قد رأس و قلده الناس و قال لي مرقودة رآنا ذاهبين إلى كربلاء للزيارة مشاة انا قد غبطتكم على هذا المشي و تمنيت لو كنت اقدر على المشي فأزور ماشيا معكم.
كراهته الشهرة و انعزاله عن الناس
كان يكره الشهرة و يحب العزلة الا فيما لا بد منه لدين أو دنيا فكان لا يجلس في يوم عيد و لا يحب ان يشيعه أحد إذا سافر و يزور أحيانا بعض من جرت العادة ان يزار و يحضر بعض مجالس العزاء و ياتي في بعض الليالي إلى حجرة السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة و إلى غيرها و بالجملة كانت زياراته مقتصرة على ما يرتفع له الجفاء و قال له الطلبة يوما و قد قرب العيد نريد ان نزوركم يا شيخنا يوم العيد فقال انا لا أريد ذلك فحضرنا يوم العيد فإذا الباب مغلق و بعد دق كثير نزل ابن أخته و صهره الشيخ علي ففتح الباب و صعدنا و سلمنا على الشيخ و باركنا له بالعيد و ملا الشيخ علي سبيلين أو ثلاثة كانت موجودة هناك من التتن و قدمها للزائرين فكان أحدهم يجر الدخان من السبيل ثم يدفعه إلى الذي بجانبه و احضر شيئا من الملبس المصنوع في النجف فاخذ كل واحد قطعة منه و انصرفنا شاكرين لهذه الزيارة التي كانت رغما عن الشيخ و لا شك انه لما رأى انه لا مناص له منها أذن لنا بدخول داره فلم نكن غاصبين و لا آثمين و أراد مرة السفر الحج فقلنا له نريد ان نودعكم يا شيخنا فمتى يكون سفركم قال انا لا أريد ذلك و كان الباذل له مصاريف الحج رجل عطار في النجف يسمى الحاج محمد الهمذاني و كانت العادة جارية ان سفر الحج يكون برا من النجف عن طريق نجد و الحجاج ينصب كل منهم صيوانا بحسب حاله خارج السور يصنعون فيه القهوة و تزورهم الناس و ليلة السفر يودعهم من يريد وداعهم هناك اما شيخنا فإنه انتظر إلى قرب أقفال الحضرة و حضر ليزور و يذهب إلى صيوانه فانتظرته انا و أحد الطلاب هناك و ذهبنا معه و ودعناه و رجعنا و كان يمشي في الطريق وحده و ليس معه بالليل من يحمل أمامه الضياء كعادة كبار العلماء و إذا رآه من لا يعرفه ظنه من بعض فقراء الطلبة كنت امشي معه يوما ليلا فاستقبله زائر من العجم فسأله هل تصلي ركعات الوحشة (صلاة ليلة الدفن ركعتان يهدى ثوابهما للميت) فقال لا و لم يكن يعمل لنفسه دعاية و لا يلتمس من يعمل له ذلك و لا يتحدث بشيء مما جرى له مما فيه تميز بشيء.
مبدأ امره و منتهاه
كان في أول امره غير معروف كثيرا و أول من أشاد بذكره و اجتهد في إعلاء امره و عرف فضله و مكانته في العلم الشيخ احمد بن صاحب الجواهر و كان هذا معروفا بالذكاء و الفطنة مشهورا بالفضل فلازمه يقرأ عليه و نوه بذكره و دعا اليه و تبعه غيره من آل صاحب الجواهر في حياة الشيخ احمد و بعد وفاته و في مدة قراءتنا عليه و كان الشيخ احمد قد توفي و كان يلازم درسه
أعيانالشيعة، ج7، ص: 22
عدة من فضلائهم و كان هو يعرف لهم ذلك و يقول اني اراعي آل صاحب الجواهر. و كان في مبدأ امره فقيرا قانعا مقتصدا و اشترى له الحاج محمد الهمذاني العطار في النجف دارا صغيرة فسكنها و مررنا بها في سفرنا للعراق عام 1352 فإذا هي بيعت و خلت من سكناه و سكنى ذريته بعد ما كانت عامرة بالعلم و اهله فسبحان من لا يدوم الا ملكه و دعاه المذكور إلى حج بيت الله الحرام و بذل له الزاد و الراحلة حتى ثوبي الإحرام و النعلين و مما حدثنا به عن مشاهداته في الحج قال سرق لبعض الحجاج الايرانيين صندوق صغير فيه جواهر و أشياء نفيسة فأخبر بذلك الحملدار فوقع ظنه على بعض العكامين و تهدده بالعقاب قال فتحيرت عند ذلك بين ان اسكت فيكون سكوتا على منكر لان هذا العكام لم يثبت عليه ما يوجب العقاب و بين ان أتكلم فيضيع حق الحاج فخرجت من البيت لئلا ارى شيئا ثم علمت ان العكام لما أيقن بالعقاب ذهب و احضر الصندوق و كان قد دفنه في مزبلة قال و جاءني رجل من غير الشيعة فقال اني أتيت باعمال الحج كلها و عددها فهل بقي علي شيء فقلت لا لكن على بعض مذاهب المسلمين بقي عليك طواف النساء فقال الذين يقولون بعدم وجوب طواف النساء هل يقول أحد منهم ان من طافه يبطل حجه قلت لا فإذا اطوفه فان كان واجبا أكن قد أكملت حجي و ان لم يكن واجبا لم يضرني و بعد وفاة الميرزا الشيرازي و رجوع جماعة اليه في التقليد جاءته بعض الحقوق فكان يصرفها على مستحقيها و لم تتغير حاله في شيء من ماكل أو ملبس أو مسكن أو غيرها بل بقي على ما كان عليه من أحواله التي وصفناها يمشي وحده ليلا و نهارا و يشتري حوائجه بنفسه و يحمل ما يشتريه من لحم و غيره بيده من السوق إلى بيته و يتواضع و بالجملة لم يتغير شيء من أحواله التي وصفناها بقدر شعرة.
بعض آرائه العلمية
كان يرى ان المدار في حجية الخبر على الوثوق بالصدور و لذلك كان يقول بقول المحقق ما قبله الأصحاب منها قبلناه و ما ردوه رددناه و كان يحافظ على موافقة المشهور كثيرا و ان كان لا يقول بحجية الشهرة و كان يقول باشتراط الامتزاج في تطهير الماء النجس و عدم كفاية مجرد الاتصال بالكثير أو الجاري و يقول بان الكيل و الوزن في تقدير الكر متقاربان و لكن الصواب خلاف قوله هذا بل التفاوت كثير على القول بثلاثة أشبار و نصف نعم هما متقاربان على التحديد بثلاثة أشبار و كان يقول بعدم اشتراط الرجوع ليومه و ليلته في المسافة الملفقة و يقول الاخبار صريحة في ذلك و من يريد القول بغيره يحتاج إلى ان يعوج سليقته و يقول بان اشتراط كون الشك بعد رفع الرأس من السجدة الاخيرة مع ان السجود يتم بتمام الذكر انما هو لكون السجود لا ينتهي الا برفع الرأس فليس الشك بعد تمام الركعة بل في اثنائها و يستشكل في ان المقيم في بلد زمانا طويلا مع عدم قصد التوطن كالطلاب الذين يقيمون في النجف عشرات السنين يجري عليهم حكم المسافر و يقول ان منجزات المريض مع عدم التهمة هي من الأصل و يقول إذا كان الضد المأمور به مضيقا و ضده من العبادات موسعا و فعل الموسع صح لكنه يأثم بتأخير المضيق.
بعض أحاديثه
قال يوما كنا قد وضعنا بعض الدراهم تحت الفراش لنشتري به من البر ما نطحنه فجاء رجل كنا استاجرناه على صلاة فسرقه و قال كان بعض الطلاب المواظبين على الدرس يحضر كل يوم مبكرا فجاء يوما و لاقى مشقة في الوصول فوجد الشيخ قد عطل الدرس لسبب فأسف كثيرا على فوات الدرس بعد هذه المشقة قال لكنني فتشت في اعماق قلبي فوجدته مسرورا بهذا التعطيل طلبا للراحة. و لما كنا نقرأ عليه في صلاة الجماعة كان أهل بيتنا مرضى فخرجنا بهم إلى بعض بساتين السهلة لتغيير الهواء فكنا نضطر إلى المجيء كل يوم إلى النجف أول الفجر مشاة لعدم وجود دواب في ذلك الوقت و الوقت قائظ فنصل إلى النجف أول طلوع الشمس و المسافة نحو من فرسخ فنقطعها في نحو ثلثي الفرسخ فنحضر الدرس الذي هو بعد طلوع الشمس بقليل ثم يقرأ تلاميذنا علينا دروسهم و نعود عند العصر راكبين لوجود الدواب فرآني يوما و قد بان علي اثر السفر فسألني فقلت له اني حضرت من بساتين السهلة عند الفجر و وصلت الآن فتعجب فقلت له صار لي مدة افعل هكذا و كل يوم تراني أكون قد حضرت من هناك فقال لكل شيء آفة و لطلب العلم آفات.
ولده
له ولد يسمى الشيخ محمد نشا على طلب العلم حتى وصل إلى المعالم محصلا حسن الأخلاق فأصبح يوما بعد ما شب و كبر و قد ذهب إلى دكان صائغ أو ساعاتي ليكون عنده و يتعلم صنعته فعلم أبوه بذلك فلم ينتهره و لم يجبره على ترك ذلك انما قال له كن عند ساعاتي و لا تكن عند صائغ أو بالعكس و بقي على ذلك ثم ذهب إلى همذان و جعل يكتب عرض حالات لمن يشتكون عند الحاكم و لما وصلنا همذان في طريقنا إلى زيارة الرضا ع عام 1353 سألنا عنه و طلبنا مواجهته فجاء و قد لبس لباس أرباب الدولة.
مشايخه
(1) الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي و هو عمدة مشايخه و لما هاجر الميرزا الشيرازي إلى سامراء استقل هو بالتدريس (2) الميرزا محمد تقي الشيرازي (3) الميرزا حسن ابن الميرزا خليل الطهراني النجفي.
تلاميذه
تخرج به جماعة كثيرون (1) ابن أخته و صهره الشيخ علي كان يشبهه علما و هديا لكن المنية لم تمهله (2) الشيخ احمد ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر (3) الشيخ علي ابن الشيخ باقر ابن صاحب الجواهر كان مواظبا على درسه (3) و (4) و (5) ثلاثة من آل صاحب الجواهر غابت عني اسماؤهم أحدهم كان فاضلا حسن الأخلاق رأيته بالنجف في سفري إلى العراق عام 1352 (6) الشيخ محمد محسن المعروف بآقا بزرگ صاحب الذريعة (7) الشيخ علي القمي العابد الزاهد الشهير (8) الشيخ علي الحلي (10) و (11) الشيخ احمد و الشيخ محمد حسين أبناء الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا من آل الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء (12) الشيخ جواد البلاغي (13) الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمد آل الشيخ أسد الله التستري الكاظمي (14) الفقير مؤلف هذا الكتاب (15) الشيخ حسين مغنية العاملي (16) الشيخ منير عسيران الصيداوي العاملي و كان يحضر معنا في درسه غير هؤلاء من طلبة العجم غابت عني اسماؤهم.
أعيانالشيعة، ج7، ص: 23
مؤلفاته
(1) مصباح الفقيه شرح على الشرائع كان يدرس فيما يكتبه منه كل يوم خرج منه كتاب الطهارة فيه كثير من مهمات المباحث الاصولية و كتاب الصلاة مطبوعان و خرجنا من النجف و هو يدرس في الزكاة (2) حاشية الرسائل مطبوعة قد نسختها بخطي قبل طبعها (3) حاشية المكاسب (4) حاشية الرياض (5) تقريرات بحث الميرزا الشيرازي في الأصول (6) كتاب البيع من تقريرات بحث الميرزا الشيرازي (7) حاشية نجاة العباد
السيد رض
بدون نظر